اقتصاد مضطرب: التجارة في الخليج تحت وطأة القرصنة والمجاعة

اقتبس هذه المقالة

عرض عام

شهدت فترة لويس بيلي، المقيم السياسي بالخليج في الفترة من ١٨٦٢إلى ١٨٧٢، نموًا اقتصاديًا وتوسعًا في الأعمال التجارية بالمنطقة لحقهما اضطراب سياسي وأزمة بسبب المجاعة.

عندما وصل لويس بيلي إلى بوشهر على رأس المسؤولين البريطانيين في الخليج كانت المنطقة قد شهدت نموًا اقتصاديًا كبيرًا على مدى عقدين تقريبًا من الزمن. ولكن بعد عشر سنوات فحسب من ذلك التاريخ، عندما حان وقت انتقال بيلي إلى الهند في ١٨٧٢، كان إجمالي الإنتاج قد انهار. وكانت المنطقة تمر بمرحلة اضطراب اقتصادي. فماذا كانت الأسباب وراء ذلك؟

نمو اقتصادي مذهل

عندما تولى لويس بيلي منصب المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ البريطاني في الخليج سنة ١٨٦٢، تمثلت إحدى أولوياته في زيادة النمو التجاري، لأن ذلك كان يصبُّ في مصلحة الإمبراطورية البريطانية. وكانت الصورة في بداية عهده إيجابية للغاية.

فالتجارة كانت في نمو مطَّرد. وكان التجار ينقلون البضائع عبر منطقة الخليج. ازداد الناتج المحلي وتكونت ثرواتٌ جديدة. وأصبح الخليج مكانًا ممتازًا للتجارة.

وفي ١٨٦٦ كتب بيلي لرؤسائه في حكومة بومباي حوالي ١٦٦٨-١٨٥٨: إدارة شركة الهند الشرقية في مدينة بومباي [مومباي] وغرب الهند. ١٨٥٨-١٩٤٧: تقسيم فرعي تحت حكم الراج البريطاني، كان معنيًا بالعلاقات البريطانية مع الخليج والبحر الأحمر. : "إن التجارة التي كان مجملها في ١٨٤٦ يمثل أقل من نصف مليون جنيه إسترليني تقريبًا، تجاوزت الآن خمسة ملايين جنيه إسترليني. وهذه الأرقام، وإن كانت تقديرية، فإنها تعني زيادة مذهلة بنسبة ١٠٠٠% في قيمة التجارة المحمولة بحرًا في منطقة الخليج خلال عشرين عامًا فقط. وبأسعار وقتنا الراهن، يعني ذلك بأن التجارة في منطقة الخليج بلغت حينها ٥٠٠ مليون جنيه إسترليني. فما الذي دفع ذلك النمو؟

قائمة الإجمالية التقريبية للواردات السنوية من الهند عبر بحر الخليج إلى بغداد والبصرة. Mss Eur F126/48، صص. ٣٣-٤٠
قائمة الإجمالية التقريبية للواردات السنوية من الهند عبر بحر الخليج إلى بغداد والبصرة. Mss Eur F126/48، صص. ٣٣-٤٠

التلغراف، اللؤلؤ، والقطن

شهدت المنطقة في القرن التاسع عشر تغيُّرًا هامًا في وسائل الاتصال. فلقد كان مدّ خطوط التلغراف، خاصةً عبر الجانب الفارسي من الخليج، بمثابة إعلانٍ عن عصرٍ جديد للاتصال عبر مسافاتٍ طويلة. فبينما كان تبادل المعلومات عبر الخطابات يستغرق شهرًا بين بوشهر وبومباي، أصبح من الممكن إرسال التلغراف في أقل من عشرة أيام. استطاعت الشركات التجارية والحكومات تنسيق أعمالها دون تأخير يُذكر.

وطال تأثير النمو التجاري البحار أيضًا. فأصبحت السفن البخارية ترسو بشكلٍ متزايد في الخليج وعدن في طريقها من وإلى الهند. ومع مرور المزيد من السفن على مسقط وجوادر والكويت وبوشهر، استطاع التجَّار شحن البضائع إلى الهند والشرق الأقصى وموانئ البحر الأحمر بسرعة وكميات أكبر من التي يمكن للقوافل حملها برَّاً.

لعبت العوامل الجغرافية والبيئية أيضًا دورًا في هذا النمو. فقد كانت لمجاعات القطن في الهند (١٨٦٠-١٨٦٥) على سبيل المثال تأثيرًا إيجابيًا على الاقتصاد الفارسي. فبينما كان إنتاج القطن في السابق للاستخدام المحلي فقط، ارتفعت قيمته فجأةً حتى أصبح عائد شحنه إلى الهند مجزيًا.

وعندما تلفت المحاصيل في أماكن أخرى بسبب الجفاف أو الجراد، شهدت تجارة الذُّرَة الخليجية طفرةً مفاجئة. واهتم التجَّار بعقد صفقاتٍ تجاريةٍ مع منتجي السلع في الخليج لضمان الحصول على وارداتٍ كافيةٍ تسد احتياجات الإمبراطورية.

وفي ظل تطور وسائل النقل والاتصالات، ازدهرت الصفقات المربحة. كان صيد اللؤلؤ وكذلك تجارة الخيول من النشاطات التي تميز منطقة الخليج. وفي ١٨٦٦ بلغت قيمة تجارة اللؤلؤ من واحد إلى اثنين مليون جنيه إسترليني في العام، حيث كانت البحرين والكويت من بين أكبر مصدري اللؤلؤ في العالم. أما تجارة الخيول فكانت أيضًا مربحة للغاية، لأن الخيول العربية كانت محط إعجابٍ كبير من الموظفين المدنيين البريطانيين في الهند. وفي ذلك الوقت شهدت منطقة الخليج طفرةً غير مسبوقة، لكن الأوقات السعيدة لا يمكن أن تدوم للأبد.

سكة حديد الفرات العثمانية الملكية، توضح المسارات الحالية والمقترحة من لندن إلى الهند، وضعها السير جون ماكنيل وتيلفورد ماكنيل، مهندسين. IOR/X/2964
سكة حديد الفرات العثمانية الملكية، توضح المسارات الحالية والمقترحة من لندن إلى الهند، وضعها السير جون ماكنيل وتيلفورد ماكنيل، مهندسين. IOR/X/2964

اضطراب سياسي واقتصادي

كانت السياسة والقلاقل الأهلية ضمن القضايا الرئيسية التي أثَّرت على التجارة في نهاية عهد بيلي كمقيمٍ سياسي.

فطالما كانت العلاقة بين المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ والحكومة الفارسية على ما يرام، كانت التجارة في بوشهر في ازدهار. وكانت تلك إحدى الطرق الأساسية التي عمل بيلي من خلالها على تعزيز التجارة. وكثيرًا ما كانت يتم فرض أو زيادة رسوم الاستيراد والتصدير عند توتر العلاقات. مما دفع التجَّار إلى اختيار موانئ بديلة ليتاجروا منها أو إلى تجنب منطقة الخليج تمامًا.  وذلك ما حدث عندما أدّى نزاعٌ بسبب بعض الفواكه التي أتت براً إلى بوشهر لتصديرها عن طريق البحر في ١٨٦٦ إلى ارتفاعٍ كبيرٍ في رسوم استيراد سلعٍ بعينها، مثل البطيخ.

كانت مسقط أيضًا مدينة رئيسية للتجارة في المنطقة. وفي ١٨٦٥، دخل الميناء العُماني في حالة أزمة، وتفاقمت تلك الأزمة بموت السلطان في ١٨٦٦. وبعد عامين من وفاة السلطان، حدث إنقلاب على ابنه وخليفته عن الحكم . وخلال ذلك الاضطراب، تم سحب الرعايا البريطانيين من المدينة. وعندما رفضت السفن البخارية التوقف هناك، أصيبت التجارة بشللٍ وتأثرت الواردات والصادرات في جميع أنحاء الخليج.

التقرير رقم 67 لسنة 1863 بواسطة بيلي عن القبائل، والتجارة، والموارد بساحل الخليج؛ والبيانات والخرائط والملحقات المتعلقة بها. Mss Eur F126/48، ص. ٣٠
التقرير رقم 67 لسنة 1863 بواسطة بيلي عن القبائل، والتجارة، والموارد بساحل الخليج؛ والبيانات والخرائط والملحقات المتعلقة بها. Mss Eur F126/48، ص. ٣٠

خطر القرصنة

عصفت بالمنطقة أحداثٌ عالمية، وكانت القرصنة مشكلةً أخرى أثَّرت على قيمة التجارة في الخليج. ففي ستينيات القرن التاسع عشر قرَّرت الحكومة البريطانية تركيز مجهودات قواتها البحرية على منع تجارة الرِّق في شرق إفريقيا. وقد ترك ذلك السفن البخارية والتجارية في الخليج عرضةً للقرصنة، مما دفع البعض إلى نقل تجارتهم إلى مناطق أخرى.

تردد التجَّار والرعايا البريطانيين في الإقامة في مدن الخليج والتجارة في موانيه لأنهم لم يثقوا في أن الحكومة ستدفع لهم تعويضات إذا أصابهم أو أصاب بضائعهم مكروه.

المجاعة والسنوات الأخيرة في عهد بيلي كمقيمٍ سياسي

وبحلول وقت مغادرةِ لُويس بيلِّي منصبَ المُقيم السياسي في ١٨٧٢ عائدًا إلى الهند، كان الوضع يزداد صعوبةً خاصَّةً في بُوشَهَر.

وقع السكان تحت وطأة مجاعةٍ شديدة، تشير بعض التقديرات إلى أنها أودت بحياة مليوني شخص. الذُّرة والمحاصيل الضرورية الأخرى لم تكفي للإعاشة أو التجارة. الأمراض انتشرت.

وفي خضمّ الاضطراب تراجع الناتج الزراعي لبوشهر والأقاليم المجاورة. وفي ١٨٧٢ كانت التوقعات ألا يصل الناتج إلى أكثر من ربع ناتج العام السابق. تلقى بيلي إشعارًا بذلك في خطابٍ بتاريخ أكتوبر ١٨٧١، وجاء فيه أن "الناتج الزراعي سيقلُّ بنسبة ٧٥% عن متوسط العام السابق".

وكانت هناك مخاوف أكبر؛ فقد ذَكرت تقاريرٌ وَرَدت من أجزاءٍ أخرى من فارس ارتفاع أسعار الحبوب ووُجود مخاوِف من قدوم الشتاء بمجاعةً أشدَّ وطأة. وحتى الكميات الكبيرة من المواد الغذائية والسلع التي تم استيرادها من الهند لم تعوِّض النقص في الناتج الزراعي والتجارة.

وبعد أن عاصر بيلي نموًا اقتصاديَّاً في البداية، شهدت العشر سنوات التي عمل فيها كمقيمٍ سياسي انهيارًا اقتصاديَّاً صاعقًا في المنطقة.