تاريخ قطر: لحظات مِحورية تكشف عنها سجلات مكتب الهند

اقتبس هذه المقالة

عرض عام

تبرهن سجلات مكتب الهند على التبادل بين بريطانيا وقطر على مدى القرون الثلاثة الماضية، بدايةً من المعلومات التي جمعتها شركة الهند الشرقية وحتى أخبار اكتشاف النفط.

تحيط مدينة الزُبارة بخليج ضحل على الشواطئ الغربية الآمنة لشبه الجزيرة العربية وتحتل موقعًا متميزًا في ذاكرة قطر، وذلك بفضل مكانتها كواحدةٍ من أقدم وأهم موانئ التجارة وصيد اللؤلؤ في الخليج. ولم يتبقى سوى آثار قليلة من الزبارة الآن، لأن هُجرت من السكان منذ زمن طويل، ولكن تأكدت أهميتها بالنسبة لتاريخ المنطقة عندما أعلنتها منظمة اليونسكو موقعًا تراثيًا عالميًا، لتصبح أول موقع يحظى بهذه المكانة في قطر.

وهناك مستندات في أرشيفات شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا  تؤكد على الموقع المهم للزُبارة بمنطقة الخليج في نهاية القرن الثامن عشر. هذه المستندات تقدم لنا معلومات غنية عن النمو الذي حدث في قطر منذ ذلك الوقت.

أول إشارةٍ لقطر في ملفات مقر المقيم السياسي في بوشهر: ١٧٨٢

أول إشارة لقطر في ملفات مقر المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ في بوشهر تأتي في سياق نقاش حول التنافس الحاد الذي وقع بين سكان الزُبارة والبحرين في أواخر القرن الثامن عشر. وفي أكتوبر ١٧٨٢ أبلغ مقيم شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا في بوشهر زملائه في بومباي عن هجومٍ شنته قبيلة عتوب (بني عتبة) من الزُبارة على آل مذكور في البحرين، "وراح ضحية هذا الهجوم أرواحٌ عديدة من الجانبين".

رسالة إلى  ويليام هورنبي، الرئيس والحاكم، المجلس في بومباي، من إدوارد جالي، المقيم السياسي في بوشهر، في ٥ أكتوبر ١٧٨٢. IOR/R/15/1/3، ص. ٩٥
رسالة إلى ويليام هورنبي، الرئيس والحاكم، المجلس في بومباي، من إدوارد جالي، المقيم السياسي في بوشهر، في ٥ أكتوبر ١٧٨٢. IOR/R/15/1/3، ص. ٩٥

وكانت هذه الإشارة الأولى من بين العديد من الإشارات التي تقدم معلومات مدهشة عن أحداث مهمة في تاريخ قطر. وتسلِّط هذه الأحداث، التي يتعين حتمًا النظر إليها من خلال منظور المصالح التاريخية للإمبراطورية البريطانية في المنطقة، الضوء على علاقات بريطانيا بحكّام قطر وسكانها.

أول مسحٍ للخط الساحلي القطري :١٨٢٣

أجرى الأسطول البحري الهندي البريطاني، خلال عشرينيات القرن التاسع عشر، أكبر مسحٍ شاملٍ تمَّ حتى ذلك الوقت للمياه الساحلية بالخليج، وذلك باستخدام وسائل المسح المثلثية الحديثة. ففي ١٨٢٢، وصلت سفينتا شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا "ديسكفري وسايكي" قبالة الساحل الشرقي لقطر لإجراء مسحٍ تفصيلي لمدينة البدع ومياهها الساحلية.

تفصيل لخريطة مثلثية لميناء البدع على الساحل العربي للخليج. أصدرها الملازم الأول ج.م. جاي والملازم الأول ج.ب. بروكس وه.س. مارين. رسمها الملازم الأول م. هوتون. IOR/X/3694، ص. ١
تفصيل لخريطة مثلثية لميناء البدع على الساحل العربي للخليج. أصدرها الملازم الأول ج.م. جاي والملازم الأول ج.ب. بروكس وه.س. مارين. رسمها الملازم الأول م. هوتون. IOR/X/3694، ص. ١

ويُعدُّ الرسم التخطيطي الناتج عن هذا المسح سنة ١٨٢٣ والذي أعدّه الرسام التخطيطي بسفينة ديسكفري الملازم هاوتون، أوَّل عرضٍ مرئي معروف لقطر تم العثور عليه في سجلات مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. . ومن على ظهري السفينتين "ديسكفري وسايكي"، رأى الضباط البريطانيون مدينة البدع على شكل مجموعاتٍ من المنازل التي تتجمع على نحو متقارب حول حِصنيَن، والعديد منها قد تهدَّم في العام السابق عندما قصفت السفينة "فيستال" التابعة لشركة الهند الشرقية المدينة بالمدافع كعقابٍ لسكانها، بناءً على زعم من الشركة عن تورطهم في أعمال القرصنة.

اتفاق سنة ١٨٦٨ بين قطر وبريطانيا

أدَّى الصراع بين قوات البحرين وأبوظبي من جانب، وقطر من جانبٍ آخر، في الفترة بين ١٨٦٧ و ١٨٦٨، إلى نشأة علاقات سياسية رسمية بين قطر وبريطانيا العظمى.

وفي ١٢ سبتمبر ١٨٦٨، وقَّع أمير قطر، الشيخ محمد بن ثاني، معاهدةً مع المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ البريطاني في الخليج، لويس بيلي. وكتب بيلي، في خطابٍ أرسل به إلى أحد رفقائه الذي كان يعمل لدى شركة الملاحة البخارية الهندية البريطانية بتاريخ ٦ ديسمبر ١٨٦٨، قائلاً بأن "الترتيبات [...] على سواحل البحرين وجاتر [قطر] وأبوثبي [أبوظبي] قد اكتملت بشكلٍ رائع؛ ولم تتوقف حتى الآن ولو للحظةٍ واحدة."

رسالة من لويس بيلي، على متن سفينة سند بالقرب من بندر لنجة، بلاد فارس، إلى جيرالد فيتسجيرالد، ٦ ديسمبر ١٨٦٨. Mss Eur F126/38، صص. ١٢٤ظ- ١٢٦
رسالة من لويس بيلي، على متن سفينة سند بالقرب من بندر لنجة، بلاد فارس، إلى جيرالد فيتسجيرالد، ٦ ديسمبر ١٨٦٨. Mss Eur F126/38، صص. ١٢٤ظ- ١٢٦

اكتشاف النفط : ١٩٣٩

دفع اكتشاف النفط في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج بريطانيا إلى توثيق العلاقات مع قطر. وفي ١٩٣٥ وقَّع الشيخ عبد الله بن جاسم بن ثاني عقد امتياز للبحث عن النفط مع شركة النفط الأنجلو-الإيرانية. وبعد مُضي أربعة أعوام، تمَّ اكتشاف أول دليلٍ قويِّ على وجود حقولٍ نفطية في قطر عند الحفّارة رقم واحد في غرب البلاد.

وجاء في برقية بعث بها الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية في البحرين إلى المقيم السياسي، بتاريخ ١١ أكتوبر ١٩٣٩، "حصلت شركة قطر لتطوير البترول على دليلٍ ضعيف على وجود النفط في بئرها الاختباري بالقرب من منطقة زكريت. وما زال التنقيب مستمرًا".

وفي ١٤ يناير ١٩٤٠ أرسل الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية في البحرين إلى الشيخ عبد الله رسالةٍ يهنئه فيها شخصيَّاً باكتشاف البترول في قطر، وأكد على أنه "تمنى جدِّيَّاً أن يبرهن التنقيب في المستقبل على امتلاك قطر لحقلٍ نفطي ذو قيمة كبيرة".

رسالة من الوكيل السياسي في البحرين إلى الشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني، ١٤ يناير ١٩٤٠. IOR/R/15/2/418، ص. ٢٤٣
رسالة من الوكيل السياسي في البحرين إلى الشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني، ١٤ يناير ١٩٤٠. IOR/R/15/2/418، ص. ٢٤٣