عبد الغفار: أول مُصوِّر فوتوغرافي مَكّي

اقتبس هذه المقالة

عرض عام

لا يُعرف الكثير حول حياة أول مُصوِّر فوتوغرافي مَكّي، وهو السيد عبد الغفار، إلا أن الصور الفوتوغرافية التي التقطها - والبالغ عددها ١٨٨٠ صورة - قد ألقت الضوء على حياته في المدينة المُقدسة.

شريك عمله السابق هو المستشرق الهولندي كريستيان سنوك هرخرونيه، الذي وصف عبد الغفار بأنه "لا يتبع أي منهج علمي أو نظامي" تجاه مواضيع تصويره،  ومع ذلك فإن السيد عبد الغفار يشتهر اليوم بكونه أول مُصور فوتوغرافي في مكة.

نشرت صور عبد الغفار من قبل كريستيان سنوك هرخرونيه  في ١٨٨٨ و ١٨٨٩. من اليسار إلى اليمين: 1781.b.6; X463
نشرت صور عبد الغفار من قبل كريستيان سنوك هرخرونيه في ١٨٨٨ و ١٨٨٩. من اليسار إلى اليمين: 1781.b.6; X463

خلال الفترة بين ١٨٨٦ و١٨٨٩، التقط عبد الغفار ما يربو على مائتي وخمسين صورة فوتوغرافية لمدينة مكة المُقدسة وسُكانها إلى جانب أول صور فوتوغرافية للحُجَّاج في موسم الحج.

وما تبقى من روائعه هي الصور التي أرسلها إلى سنوك هيرخونيه في هولندا، وقد نُشِر بعضها لاحقًا مع الصور الفوتوغرافية الخاصة بسنوك هيرخونيه في منشوريه، Bilder-Atlas zu Mekka (١٨٨٨) [مجموعة صور من مكة] وBilder aus Mekka (١٨٨٩) [صور من مكة]. ويوضح هذان المنشوران الأفكار السائدة في الدوائر الأكاديمية في غرب أوروبا، التي كان سنوك هيرخونيه يطمح في الوصول إليها،كما يقدمان لمحة عن حياة وعادات السكان المحليين والحُجاج في منطقة الحجاز في١٨٨٠ وما تلاها.

معلومات ضئيلة من الأرشيف

 لا يوجد الكثير من المعلومات عن حياة عبد الغفار إلا ما تم تسجيله في يوميات ومراسلات سنوك هرخرونيه حول تجربته في مكة  بين ١٨٨٤ و١٨٨٥. فعندما التقيا في مكة كان عبد الغفار يمارس التصوير: وقد كان عبد الغفار مفعمًا بحماس كبير عندما عرض على سنوك هرخرونيه استخدام استوديو التصوير الخاص به، وقد وصف سنوك هرخرونيه الاستوديو في مذكراته بأنه "غير ملائم".

صورة لعثمان باشا، الحاكم العام للحجاز (١٨٨٢-١٨٨٦) تم التقاطها من قِبل السيد عبد الغفار أو كريستيان سنوك هيرخونيه في١٨٨٥. تم بذل جهد كبير خلال تحميض الصورة، وقد شمل ذلك الاستبدال الكامل للخلفية. 1781.b.6/8، ص. ١٠و
صورة لعثمان باشا، الحاكم العام للحجاز (١٨٨٢-١٨٨٦) تم التقاطها من قِبل السيد عبد الغفار أو كريستيان سنوك هيرخونيه في١٨٨٥. تم بذل جهد كبير خلال تحميض الصورة، وقد شمل ذلك الاستبدال الكامل للخلفية. 1781.b.6/8، ص. ١٠و

وقد ذكر سنوك هرخرونيه أيضًا أن عبد الغفار كان يتمتع بمواهب فنية: فإلى جانب أعماله الفوتوغرافية، مارس عمله كطبيب أسنان وصانع للساعات وصانع للأسلحة ومصهر للذهب والفضة. وكان شغوفًا للغاية بتقنيات التصوير الفوتوغرافي "الحديثة" التي كان يجلبها سنوك هرخرونيه، مثل طريقة دراي بليت التي تعتمد على تجفيف اللوحة.

العمل بالطلب

بعد أن أُرغِم سنوك  هرخرونيه على مغادرة شبه الجزيرة العربية، استغل عبد الغفار أوراق الألبومن (وهي مادة موجودة في بياض البيض وتساعد على لصق المواد الكيماوية) ومائة وأربعة وأربعين لوحًا زجاجيًا كان سنوك هيرخونيه قد تركها بصحبته. ويتضح أن الموضوعات التي اختارها عبد الغفار عليها بعد رحيل سنوك هرخرونيه قد تأثرت إلى حدٍ ما بمراسلاته المستمرة مع المُصوّر الهولندي. أراد سنوك هرخرونيه نماذج لسكان مكة الأصليين بجميع أطيافهم لدعم عمله المتواصل في وصف الأعراق البشرية، من النساء والعبيد وأفراد الطبقة الفقيرة وغيرها من العناصر المرتبطة بعلم الإنسان، ولم يريد عبد الغفار توفير إلا عدد ضئيل من هذه النماذج.

"Mekkanerin im Brautanzug" [امرأة مَكّية في زي العُرس] تصوير السيد عبد الغفار ١٨٨٧-١٨٨٨. 1781.b.6/59، ص.ج‎-‎و‎‎٢‎٧
"Mekkanerin im Brautanzug" [امرأة مَكّية في زي العُرس] تصوير السيد عبد الغفار ١٨٨٧-١٨٨٨. 1781.b.6/59، ص.ج‎-‎و‎‎٢‎٧

بيد أن عبد الغفار استطاع إرسال ما يربو على مائتي وخمسين صورة مطبوعة إلى سنوك هرخرونيه عبر خمس عشرة شحنة في الفترة ما بين ١٨٨٦ و١٨٨٩، وقد نشر سنوك هرخرونيه الكثير منها في مجلدات صوره.

التصوير العلماني والأكاديمي في مقابل التصويرالتجاري والديني

استخدم عبد الغفار للصور التي قام بإعدادها في الاستوديو الخاص به خلفيات وأدوات مُزيَّنة مماثلة للصور العثمانية السابقة، مثل الأعمال المعاصرة تقريبًا والتي يمكن العثور عليها في ألبومات صور السلطان عبد الحميد الثاني في المكتبة البريطانية ومكتبة الكونجرس. إلا أنها لم تعد واضحةً في الصور المنشورة في ١٨٨٨ و١٨٨٩ إذ أزالها سنوك هرخرونيه قبل نشرها مُستخدمًا ستنسل ورقي خلال عملية الطباعة.

قام هرخرونيه بتعديل صور عبد الغفار بشدة، وقد شمل ذلك إزالة الخلفيات والنقوش. بإتجاه عقارب الساعة من اليسار: تفصيل 1781.b.6/11، ص.و‎‎١‎٣؛ تفصيل X463/3؛ التفصيل الثاني لـ X463/3
قام هرخرونيه بتعديل صور عبد الغفار بشدة، وقد شمل ذلك إزالة الخلفيات والنقوش. بإتجاه عقارب الساعة من اليسار: تفصيل 1781.b.6/11، ص.و‎‎١‎٣؛ تفصيل X463/3؛ التفصيل الثاني لـ X463/3

كانت هذه الأدوات متناقضة مع أهداف سنوك هرخرونيه، والتي تمثلت في إخراج مواضيع الصور عن سياقها لإجراء الدراسات "العلمية" عليها، لتصبح مجرد "نماذج" أو أصناف تحت الدراسة. وقد حرص أيضًا على إزالة توقيع عبد الغفار وأي نص عربي من الصور السالبة، حيث شعر أنها ستقّوض الطابع العلماني للشخصيات والاشياء التي تم تصويرها.

رجلان اسمهما عبد الغفار

عندما وصل سنوك هرخرونيه إلى مكة في فبراير ١٨٨٥،  لا بد وأنه تفاجأ بمقابلة مصور فوتوغرافي زميل يمتلك استوديو تصوير عامل. وربما ازدادت مفاجأته حينما علم أن ذلك الرجل قد شاركه نفس الاسم الذي اختاره سنوك هرخرونيه بعد اعتناقه الإسلام منذ بضعة أسابيع، وهو اسم عبد الغفار.

بعد مغادرة سنوك هرخرونيه لشبه الجزيرة العربية، يتضح أنه سعى للحصول على خدمات عبد الغفار من الخارج، بعد إقناعه بإمكانية الحصول على مستوى معيشي جيد بالعمل في مجال التصوير الفوتوغرافي. وإذا وافق عبد الغفار على العمل في التصوير الفوتوغرافي بالطلب، فإن هيرخونيه سيساعده على بيع عدد أكبر من صوره في أوروبا.

التصنيف

اعتقد سنوك  هرخرونيه أنه بتنازله عما يملكه من الألواح الزجاجية لعبد الغفار سيتسنى له التحكم في الاشخاص والاشياء التي يصورها الطبيب، وقد أوضح لفان دير تشيز في ١٨٨٦ إنها "طريقة إضافية ممتازة للإجبار". وعلى نحو مماثل، أرسل أجهزة طب العيون إلى الطبيب، ولكن فقط على فترات غير منتظمة، وقد كتب الأخير عن الأجهزة قائلاً: "ليس هناك أي استعجال [...] وقد يؤدي التأخير ولو لمدة قصيرة إلي إلتقاطه صور جديدة للأشخاص والأشياء".

يتم الاحتفاظ بما تبقى من أعمال عبد الغفار الفوتوغرافية غير المنشورة، أو على الأقل التي تُنسب إليه بشكل مؤكد، في مكتبة جامعة لايدن في الأرشيف الخاص بسنوك  هرخرونيه - وهي مدرجة مُجددًا باسم المُصوِّر الهولندي. في منشور ١٨٨٩ الذي تضمن أول مجموعة صور كبيرة للحُجاج في موسم الحج، ذكره سنوك هرخرونيه  فقط بكونه "الطبيب المَكّي، الذي [...] توليت تعليمه". واليوم تتحدث الصور عن نفسها، وتقدم بديلاً للصور التصفيحية الشائعة التي قدمها المستشرقون عن منطقة الخليج في هذه الحقبة.