وضع خريطة لعدن: الاحتلال البريطاني لميناء تجاري مهم

اقتبس هذه المقالة

عرض عام

بفضل وضع خريطة لمدينة عدن ومسحها بالكامل، تمكن البريطانيون من التخطيط لإعادة تعميرها وتحصينها لأجل تسهيل الرحلات التجارية وحركة السفن من وإلى الهند وما وراءها.

عندما احتل البريطانيون منفذ عدن التجاري المهم في ١٨٣٩، توقعوا العثور على بقايا مدينة قديمة. ولكنهم عثروا على قرية متداعة للسقوط، تضم ما يقرب من مائة منزل من الطوب اللبِن وشوارعها مليئة بأنقاض المباني المنهارة، وتنتشر بها آبار مُهملة وقناطر مُحطمة. وحتى التحصينات كانت مُدمّرة.

ميناء تجاري مهم

اهتمت الحكومة في بومباي بالجوانب التجارية والعسكرية للمدينة ,وكان هدف المسؤولين البريطانيين من أجل أن تصبح عدن (والمعروفة أيضاً باسم كريتر) مجددًا ميناءً تجاريًا عظيمًا يُسهل رحلات التجارة البريطانية من وإلى الهند وما وراءها. بيد أنه لإحكام سيطرة بريطانيا على المنطقة، كان يتعين إعادة النظر في تحصينات المدينة واختيار الموقع الملائم للمعسكرات الحربية وتصميم المواقع العسكرية.

"المنظر للحُفرة" من "تقرير عن المستوطنة البريطانية لمدينة عدن" للكاتب ف.م. هانتر، ١٨٧٧. T.11308/2
"المنظر للحُفرة" من "تقرير عن المستوطنة البريطانية لمدينة عدن" للكاتب ف.م. هانتر، ١٨٧٧. T.11308/2

اللجنة الخاصة

في ١٨٤٣ كانت لجنة خاصة تضم الرائد ويليام جاكوب من لواء المدفعية، وس. و. جرانت من فيلق المهندسين قد تولت رسم الخطط والمقاطع والمناظر الخاصة بعدن والمنطقة المحيطة بها والتي تم تخصيص جزء كبير منها لموقع المعسكر الحربي المقترح. وقد تم نسخها وإرسالها إلى لندن وبومباي للاستشارة والموافقة.

معالم دفاعية طبيعية

فيما يتعلق برسم الخرائط العسكرية، تكون البيانات الجغرافية بالغة الأهمية لتقييم التضاريس الأرضية من ناحية الاستراتيجية الدفاعية. وقد أوصت اللجنة الخاصة بالاستفادة من معالم التضاريس التي تشكل دفاعات طبيعية. وبحسب هذه الخطط، كان يجب إبقاء أعمال الاستيطان في منطقة كريتر في عدن، والتي كانت محمية بشكل جيد، بينما تم تأسيس المواقع العسكرية على برزخ المدينة. وكان سيتم تأمين موقع المعسكر بواسطة المنحدرات الصخرية الشديدة "التي يتم نحتها عند اللزوم، والتي يتم قطعها على هيئة حاجز وخندق وإحاطة الخط بأكمله بالبنادق في مختلف السرايات المدفعية". كما أن "ارتفاع الأمواج وتضخمها بالساحل لمدة ٨ شهور في العام يمنع الوصول إلى المعسكر من البحر".

العمران

كان يتعين بناء بعض التحصينات. وكان من المزمع أن تشتمل الدفاعات الساحلية على "رصيف عائق ورصيف رسو للسفن محصنين بغرفة حراسة وسرية مدفعية في مواجهة الجرف، ويحتوي الرصيف على خزان مملوء بالأنابيب الحديدية من المعسكر، لتزويد السفن بالماء في الخليج الغربي وعند منطقة التواهي".

ومن بين المعلومات المُفصلة التي تم جمعها وتضمينها في الخطط أيضًا "الأعمال ضد العرب" و"المعقِل المطلوب فقط ضد هجمات القوى الأوروبية". فقد كان ذلك دليلاً على أن البريطانيين لم يخشوا فقط تهديد العرب المحليين لوجودهم في عدن، وإنما تحسّبوا أيضًا لهجمات أوروبية أخرى، على الأرجح من جانب الفرنسيين.

توفير الماء والأعيرة النارية والطوافات للقوات العسكرية

شملت الإنشاءات الصناعية مستشفى، وتحصينات للجنود البريطانيين مثل حجرات مقنطرة محمية ضد القنابل وثكنات للقوات الهندية التي تلقت التدريب على أيدي البريطانيين. وظهرت الإنشاءات على هيئة رسومات معمارية تشمل مناظر أمامية (أو ارتفاعات) ومخطط أرضي يتضمن المقاييس. كما  شملت خطط اللجنة تكوين شبكة من الأنابيب الحديدية التي تنقل المياه إلى الخزانات "للقوات المحلية" وخزانات مياه منفصلة مصنوعة من الطمي للجنود البريطانيين، إلى جانب الأجهزة الفنية مثل "منصة العبور"، "طوف لمد الرصيف في المياه العميقة" و"فرن لتسخين الأعيرة النارية". 

خطط ورسومات فنية للأجهزة في عدن والمقترحة من قبل المقدم س.و. جرانت. IOR/X/3238، ص.١و
خطط ورسومات فنية للأجهزة في عدن والمقترحة من قبل المقدم س.و. جرانت. IOR/X/3238، ص.١و

أوصت اللجنة بإجراء تحسينات على البنية الأساسية للاتصالات، والتي كانت مهمة للغاية لتحديد قدرة القوات على السيطرة على المناطق وتسيير الجيش والمواد. وقد تضمن ذلك "طريق عسكري من وادي عدن إلى المعسكر الجديد" و"شق سلسلة الجبال وإنهاء الموقع على المرتفعات".

لقد أوضحت مجموعة الخطط والمقاطع التي أننتجها جاكوب وجرانت خبراتهما الواسعة بشبه الجزيرة رغم مدة إقامتهما القصيرة في عدن. حيث ساعد عملهما الضباط في مختلف البلاد على فهم السمات الطبوغرافية للمنطقة ومن ثم تأثير ذلك على القرارات التي اتخذوها.

في لندن، أقر البلاط الملكي خطة اللجنة. بيد أن الفريق السير هنري هاردينج (اللورد هاردينج فيما بعد)، وهو الحاكم العام التالي، قام بفحص دفاعات عدن وهو في طريقه إلى الهند. وقد رأى أن الدفاعات قد تم التخطيط لها على نطاق أوسع مما ينبغي، ولذلك أوصى بإنشاء التحصينات بما يكفي فقط "لمراقبة السكان" ومقاومة أي هجوم يشنه العرب أو أي قوة أوروبية صغيرة. تمكن هاردينج من فرض رأيه وتم اتخاذ قرار ببناء التحصينات على نطاق أقل.

وقد تم وصف الجغرافيا الطبيعية للتضاريس بوضوح شديد حتى أنه يمكن مقارنة تلك الخرائط والخطط بخدمات الخرائط الحديثة للأقمار الصناعية وعلى مستوى الشارع.

قدم التمثيل الطبوغرافي الموثّق من قبل اللجنة بهذه التفاصيل الرائعة تصورًا قيِّمًا للمنطقة لإنشاء مستوطنة - تحولت فيما بعد إلى مستعمرة - كانت ضرورية لتسهيل الرحلات والطرق التجارية من وإلى الهند لمدة تزيد عن مائة عام.

 مُقتبس للخريطة "كبري للممر الجنوبي". IOR/X/3260، ص.١و
مُقتبس للخريطة "كبري للممر الجنوبي". IOR/X/3260، ص.١و