وزراء ومخاوف ومخطوطة: التاريخ المضطرب لأخوين من عائلة الأنباري

اقتبس هذه المقالة

عرض عام

قبل حوالي ألف عام، طلب شخص رفيع المستوى كتابة نص تنجيمي حول اختيار أنسب لحظات القيام بأعمالٍ مهمة ولكن النجوم حملت مصيرًا رهيبًا له ولعائلته.

التنجيم في خدمة المصالح الشخصية

مع تضاؤل نفوذ الخلافة العباسية في منطقة ديار بكر (في جنوب تركيا اليوم بالقرب من الحدود السورية)، تقاتل خلفاء عدد من السلالات العربية والفارسية والكردية التي لم تدم طويلًا على هذه المنطقة الخصبة والاستراتيجية. ومن بين هذه السلالات سلالة المروانيين، الذين حكموا كأمراء شبه مستقلين (حكام إقليميين) في الفترة ما بين ٣٧٢-٤٧٨هـ\٩٨٣-١٠٨٥م.

لعب الأفراد الذين سعوا وراء السلطة السياسية في تلك الفترة لعبة خطيرة. قد تجلب المناصب العليا ثروات ونفوذًا مذهلين، ولكنها تحمل أيضًا الخطر الدائم المتمثل في السجن بدون مُحاكمة أو الإعدام بسبب التآمرٍ أو عدم الكفاءة أو اتباع الأهواء. وفي هذه الأجواء، حوّل البعض أنظاره إلى الأمل القديم الكامن في التنجيم لتجنب سوء الحظ أو لتحقيق منفعة، من خلال السعي لفهم تأثيرات النجوم، التي يُعتقد أنها تتحكم بشؤون الإنسان، والاستفادة منها.

رسم تخطيطي لأفلاك الكواكب، مأخوذ من نسخة من كتاب التفهيم لأوائل صناعة التنجيم لمحمد بن أحمد البيروني. Or 8349، ص. ٢٣و
رسم تخطيطي لأفلاك الكواكب، مأخوذ من نسخة من كتاب التفهيم لأوائل صناعة التنجيم لمحمد بن أحمد البيروني. Or 8349، ص. ٢٣و

شمل علم التنجيم العديد من التخصصات الفرعية بما في ذلك المواليد (Or 8857, ff 1v-2v)، والأحكام (Or 5591, ff 157r-160v، Or 5591, ff 110v-113r)، والمسائل (Delhi Arabic 1916، Or 12802، Or 9011)، والتنجيم التاريخي (Or 7716, ff 1r-117r)، وغيرها. واستُخدم الفرع المتعلق بـ"الاختيارات" على وجه الخصوص لتحديد اللحظات المثلى لإجراء (أو تجنب) أنشطة معينة. فقد استشار الحكامُ المنجمين لتحديد متى يخوضون المعركة أو يؤسسون المدن (لا سيما بغداد، التي تأسست في ٢٣ تموز ١٠٧٤م من العصر السلوقي \ ٣ جمادى الأولى ١٤٥هـ\٣٠ يوليو ٧٦٢م بناء على نصيحة من مجموعة من المنجمين). وفي الوقت نفسه، استخدمَت جميع طبقات المجتمع "الاختيارات" لتحديد أفضل توقيت للزواج، والبحث عن العلاج الطبي، وتنفيذ المعاملات المالية، والسفر، وغيرها من النشاطات (على سبيل المثال، Or 5591, ff 3r-18r).

نسخة من الأبراج التي حددت تاريخ تأسيس بغداد، مأخوذة من نسخة من "الآثار الباقية عن القرون الخالية" للبيروني يعود تاريخها إلى عام ١٣٠٧م. © جامعة إدنبرة، Or.Ms.161، ص. ١٢٧ظ
نسخة من الأبراج التي حددت تاريخ تأسيس بغداد، مأخوذة من نسخة من "الآثار الباقية عن القرون الخالية" للبيروني يعود تاريخها إلى عام ١٣٠٧م. © جامعة إدنبرة، Or.Ms.161، ص. ١٢٧ظ

Oriental 5709: الكلمة الأخيرة في الاختيارات الفلكية

يوجد نص معين عن الاختيارات الفلكية يجسد هذا الاهتمام. تعود هذه النسخة إلى عام ٦٤٦هـ\١٢٤٩ - ربما تكون فريدة من نوعها – وهي من كتاب "المختار من كتب الاختيارات الفلكية" وتتضمن نصوصًا مختارة للعديد من العلماء المسلمين واليونانيين والهنود السابقين حول هذا الموضوع. وعلاوة على ذلك، تسلط قصة تأليف هذا النص الضوء على حياة وأوقات عائلة طموحة انتهى بها الحال إلى نهاية مأساوية.

جمع هذا النص أبو نصر يحيى بن جرير التكريتي (عاش ٤٧٢هـ\١٠٧٩م)، الذي كان شقيق الطبيب الشخصي للأمير المرواني الرابع، نصر الدولة أحمد بن مروان (حكم ٤٠١-٤٥٣هـ\١٠١١-١٠٦١م). وخلال فترة الحكم الطويلة للأمير نصر الدولة، حققت الأسرة أعظم نجاحاتها الثقافية والاقتصادية، وكان مركزها مدينة ميافارقين المزدهرة (سيلوان اليوم في جنوب تركيا). كُلّف التكريتي، وهو طبيب أيضًا، بتجميع النص، كما هو مسجل في مقدمته وجملته الختامية: ألفه لمجلس الأجل السيد المهذب سديد الدولة أبي الغنائم عبد الكريم بن إبراهيم (ص. ١٥٨و، الأسطر ١٣-١٥).

نهاية النص وحرد متن نسخة من "المختار من كتب الاختيارات الفلكية" التي جمعها التكريتي. Or 5709، ص. ١٥٨و
نهاية النص وحرد متن نسخة من "المختار من كتب الاختيارات الفلكية" التي جمعها التكريتي. Or 5709، ص. ١٥٨و

وكما روى المؤرخ ابن الأزرق الفارقي بعد سبعين عامًا في كتابه "تاريخ ميافارقين وآمد"، كان لسديد الدولة (توفي ٤٨٩هـ\١٠٩٦م) علاقات وطيدة مع ذوي الشأن. حيث كان والده وزيرًا (رئيس وزراء) للأمير أبو القاسم نصر بن أحمد (حكم ٤٥٣-٤٧٢هـ\١٠٦١-١٠٧٩م)، وهو ابن وخليفة راعي شقيق التكريتي. وبالإضافة إلى ذلك، تولى شقيق سديد الدولة، أبو طاهر بن الأنباري (توفي ٤٨٩هـ\١٠٩٦م)، منصب وزير عند وفاة والدهما واستمر في السلطة خلال أوائل عهد منصور بن نصر (حكم ٤٧٢-٤٧٨هـ\١٠٧٩-١٠٨٥م)، وهو خليفة نصر بن أحمد.

زوال سلطة عائلة الأنباري

لم تدم الفترة الذهبية لعائلة الأنباري طويلًا. فبعد مؤامرةٍ، فقدَ أبو طاهر التأييد وسُجن، ولم يُطلق سراحه إلا بعد غزو السلاجقة للمروانيين في ٤٧٨هـ\١٠٨٥م. وقام بالحملة السلجوقية فخر الدولة بن جهير (٣٩٨-٤٨٣هـ\١٠٠٧-١٠٩٠م)، وعمل نيابة عن صاحبي السلطة الإقليميين الحقيقيين، وهما السلطان السلجوقي المقيم في أصفهان ملك شاه (حكم ٤٦٥-٤٨٥هـ\١٠٧٢-١٠٩٢م) ووزيره صاحب السلطة المطلقة، نظام الملك (توفي ٤٨٥هـ\١٠٩٢م). وكان ابن جهير نفسه قد شغل سابقًا منصب الوزير المرواني في عهد نصر الدولة، قبل أن يُخطط من أجل منصب وزير الخليفة العباسي في بغداد عام ٤٥٥هـ\١٠٦٢م. وأخيرًا، وبشكل استغلالي، حوّل ولاءه للسلاجقة في ٤٧٦هـ\١٠٨٣م.

نَفى ابن جهير في البداية خليفه أبا طاهر إلى حصن كيفا، على بعد خمسين ميلاً، لكنه سرعان ما أعاد النظر في أمره ولاحقه مرة أخرى. ويُقال إن ابن جهير خطط للاستيلاء على الأقل على بعض محتويات الخزانة المروانية الرائعة لنفسه، بدلًا من تسليمها إلى أسياده السلاجقة. ووفقًا لشهادة سابقة، كانت الخزانة تحتوي على لآلئ ضخمة، وأسلحة ثمينة، ومصحف يُعتقد أن الإمام علي كتبه بنفسه، وجوهرة عملاقة تعرف باسم "جبل ياقوت" (راجع Amedroz، ص. ١٣٥). شك ابن جهير في أن أبا طاهر، بصفته الوزير السابق، سيعرف محتويات الخزانة وقيمتها الحقيقية، وسيبلغ ملك شاه إذا أُخِذَ جزء منها.

جدول بحكام السلاجقة، يتضمن الأسماء، وتواريخ الحكم، والأطفال، والإنجازات الرئيسية، مأخوذ من نسخة من الزيج المعتبر السنجري لعبد الرحمن الخازني. ويحتوي هذا المقتطف على معلومات عن عهد ملك شاه. Or 6669، ص. ٧٧ظ
جدول بحكام السلاجقة، يتضمن الأسماء، وتواريخ الحكم، والأطفال، والإنجازات الرئيسية، مأخوذ من نسخة من الزيج المعتبر السنجري لعبد الرحمن الخازني. ويحتوي هذا المقتطف على معلومات عن عهد ملك شاه. Or 6669، ص. ٧٧ظ

وفي محاولة يائسة للهروب من ابن جهير، تظاهر أبو طاهر ورفقاؤه في حصن كيفا (بمن فيهم جدّ المؤرخ ابن الأزرق) بمرضه وموته، بل وأقاموا جنازة مزيفة متقنة. وبعد تضليل الأثر لإخفاء الحقيقة، تراجع ابن جهير، وتوارى أبو طاهر بعيدًا عن المتاعب حتى استدعى ملك شاه ابن جهير من ديار بكر بعد ذلك بوقت قصير.

العائلة تستعيد حظها... لفترة من الوقت

في ذلك الوقت، توسط سديد الدولة لدى ملك شاه نيابة عن أخيه أبي طاهر. ولا يسعنا إلا أن نتكهن فيما إذا كان قد طلب المشورة من السماء فيما يتعلق بالتوقيت الدقيق، كما هو موضح في دليل التكريتي، قبل اتخاذ هذه الخطوة المحفوفة بالمخاطر. وإذا كان قد فعل ذلك، فستكون "الجملة الثانية (في الاختيارات الجزئية)  [...] الباب الثاني عشر في الاختيارات المتعلقة بالبيت العاشر لوقت أخذ البيعة" ذات أهمية خاصة (Or 5709، صص. ٩٩ظ-١٠٩و). ويتضمن هذا الباب تدوينات حول تحديد أفضل موعد للقاء السلاطين والحكام، ومتى تُطلب منهم خدمات، ومتى يُطرح موضوع شخص آخر معهم.

جزء من خريطة تُظهر منطقة ديار بكر (في تركيا اليوم)، ١٨٥٠م. IOR/X/3151/1، ص. ١و
جزء من خريطة تُظهر منطقة ديار بكر (في تركيا اليوم)، ١٨٥٠م. IOR/X/3151/1، ص. ١و

أُعيد أبو طاهر إلى حياة الرغد، وأصبح حاكمًا على آمد القريبة (ديار بكر حاليًا). وبعد اغتيال ملك شاه عام ٤٨٥هـ\١٠٩٢م، استولى شقيقه ومنافسه السلجوقي تُتُش (توفي ٤٨٨هـ\١٠٩٥م) على منطقة ميافارقين وعيَّن أبا طاهر حاكمًا هناك أيضًا.

نهاية الأخوين

ولكنْ، بعد حياة مليئة بالمؤامرات، لم يستطع أبو طاهر الوثوق برئيسه الجديد. وخوفًا من أن يلقى أبو طاهر نفس مصير حاكم محلي آخر كان تُتُش قد قطع رأسه في ٤٨٧هـ\١٠٩٤م، فرّ أبو طاهر من مايافاريكين. ولكن سرعان ما أُلقي القبض عليه، وأُعدم في شميشاط (Asmosaton/Ἀσμóσατον باليونانية) على أحد روافد نهر الفرات في جمادى الآخرة ٤٨٩هـ\مايو-يونيو ١٠٩٦م. كما أُعدم ابنه الأكبر وشقيقه سديد الدولة الذي كان محظوظًا ذات يوم.

عاش سديد الدولة وشقيقه أبو طاهر في بيئة خطيرة، وطغى على عالمهما عدوّ جبار يزداد قوة. وليس من المستغرب أنه حتى شخص من مثل هذه النخبة قد يرغب في أن يكون في متناول يده دليل شامل عن تجنب سوء الحظ واختيار اللحظات المواتية. ومع ذلك، ربما لم تترك له حياته المليئة بالمشاغل أي وقت لدراسة الكتابات التنجيمية المستفيضة التي جمعها التكريتي له بناء على طلبه.