الحبر الخفي: اعتراض البريد في الحرب العالمية الثانية

اقتبس هذه المقالة

عرض عام

خلال الحرب العالمية الثانية، صدرت وعُممت تعليمات سرية إلى الوكلاء السياسيين في البحرين والكويت ومسقط تتعلق باعتراض البريد المار عبر الخليج.

في أغسطس ١٩٣٩، صدَّقت حكومة الهند - التي كانت تترقب اندلاع الحرب في أوروبا - على اعتراض البريد في الخليج لإجراء أنشطة تتعلق بالفحص والرقابة. فتم تعيين ثلاثة موظفين لهذه المهمة في البحرين والكويت ومسقط.

وأُرسلت تعليمات تفصيلية سرية إلى الوكلاء السياسيين في هذه المواقع لإفادة وتوجيه الموظفين الجدد الذين كانوا سيتولون إجراءات الاعتراض والرقابة.

خطاب من المقيم السياسي في الخليج العربي إلى الوكلاء السياسيين بالكويت والبحرين ومسقط بشأن الموظفين الإضافيين في حالة نشوب الحرب. IOR/R/15/2/191، ص. ١٥
خطاب من المقيم السياسي في الخليج العربي إلى الوكلاء السياسيين بالكويت والبحرين ومسقط بشأن الموظفين الإضافيين في حالة نشوب الحرب. IOR/R/15/2/191، ص. ١٥

السرية والسرعة والبراعة

اعتمد النجاح في إجراءات اعتراض البريد - طبقًا لهذه التعليمات - على السرية والسرعة والبراعة اليدوية، ولهذا يجب "اختيار موظفي الرقابة بناء على الذكاء والمهارة وحسن التصرف بالتكتم".

فيتم التأكيد على أقصى درجات السرية في الملاحظات وكذلك على "حقيقة أنه يجب الكشف عن إجراءات الرقابة لأقل عدد ممكن من الأشخاص والاقتصار على المعنيين بالأمر بشكل مباشر".

علاوة على ذلك، لم يمكن النجاح في تنفيذ إجراءات الرقابة إلا إذا توفر حسن نية مدراء مكاتب البريد الذين كان يجب على المسؤول المعني أن "يناجيهم ويقنعهم بالحاجة إلى ضمان سرية هذا الاعتراض".

"ملاحظات حول طرق اعتراض المراسلات في البريد". IOR/R/15/2/191، ص. ٢
"ملاحظات حول طرق اعتراض المراسلات في البريد". IOR/R/15/2/191، ص. ٢

طرق فتح الرسائل وإغلاقها

تقدم الملاحظات طرقًا متعددة للاعتراض وتؤكد على أن "ما قد يكون طريقة مناسبة في البنجاب حيث الجو الحار لن يفلح أبدًا في بورما حيث الأمطار" ولذا "على الأقاليم أن تتبع الطرق التي تراها الأنسب بالنسبة إليها".

وتضمنت هذه الطرق تبخير رائدة المظروف وترطيبها ولفّها لفتح المظروف وكذلك تسخينها باستخدام "مكواة دوبي" (أيْ مكواة الغسّال). وفي جميع الأحوال، يجب أن تكون أيدي المشغّل "نظيفة جدًا" كما يجب "تجنب استخدام القوة".

عند إعادة غلق الرسائل التي تم فتحها للفحص، كان من الضروري إعادة جميع المحتويات " إلى الأماكن نفسها بالضبط" مع "إعادة إدخال جميع المحتويات بغض النظر عن صغر حجمها أو عدم أهميتها". ولإعادة غلق الرسالة يجب استخدام صمغ أو لصق عالي الجودة مع وضعه بعناية باستخدام فرشاة من شعر الإبل.

الكتابة الخفية

من الواضح أنه كان مفهومًا أن الرقابة على البريد سوف يتم القيام بها لأن بعض المراسلين اتخذوا إجراءات للتفادي من عملية اعتراض رسائلهم. وكان من بين هذه الإجراءات استخدام أنواع مختلفة من الأحبار الخفية المعروفة أيضاً كالأحبار التفاعلية.

كان من الممكن كتابة الرسائل السرية على صفحات فارغة من الورق ولكنها قد تظهر أيضًا بين سطور نص مرئي وفي هوامش المستندات وعلى المظاريف.

ومن طرق إنتاج الحبر الخفي ما يلي: كلوريد الكوبالت المحلول بالماء؛ ماء دافئ منقوع فيه أرز؛ ومزيج من عصارة البصل وعصير ليمون أخضر والحليب، كما قد يحاول الكاتبون تجنب اكتشاف رسائلهم عن طريق الكتابة برأس عود ثقاب على ورق مبلل.

يمكن أيضًا استخدام مزيج من اللعاب والبول المخفف والصمغ المخفف وأنواع معينة من العطر في الكتابة الخفية، ولكنها - بحسب الملاحظات الإرشادية - "يسهل اكتشافها نسبيًا".

مقتطف من المذكرة الدورية رقم ٤ بتاريخ ١٦ مارس ١٩٣٦، "دليل أعمال الرقابة لضباط الشرطة". IOR/R/15/2/191، ص. ١٢
مقتطف من المذكرة الدورية رقم ٤ بتاريخ ١٦ مارس ١٩٣٦، "دليل أعمال الرقابة لضباط الشرطة". IOR/R/15/2/191، ص. ١٢

اكتشاف الحبر الخفي

طبقًا للتعليمات، هناك طريقتان لكشف وجود كتابة خفية. فتتمثل الطريقة الأولى في رفع المستند المشكوك فيه بميل في ضوء الشمس، وأما الطريقة الثانية فتشتمل على تعريض الورقة للبخار اليودي. وتشير هذه الملاحظات إلى إمكانية توليد أبخرة اليود بوضع بلورات قليلة من اليود في دورَق موضوع على نسيج سلكي فوق منصب ثلاثي القوائم على مصباح كحولي.

وكانت هذه الطريقة الأفضل استخداماً حيث لوحظ أنها "تُظهر تقريبًا جميع الأحبار التفاعلية". والأكثر أهمية أن هذه الطريقة في قراءة الرسائل السرية لا تترك أثرًا إذا عُرّضت الورقة المفحوصة لضوء الشمس أو الدفء الجاف. فيظهر من الإرشادات الموجهة لمسؤولي الرقابة أن تجنب اكتشاف الأمور كان يعتُبر مهمًا للقائمين باعتراض البريد مثلما هو مهمًا لمن يكتب الرسائل السرية التي تمر عبر وكالات البريد في الخليج.