الغوص لاستخراج اللؤلؤ وتجارتها بالخليج في الفترة من أربعينيات القرن التاسع عشر إلى ثلاثينيات القرن العشرين

اقتبس هذه المقالة

عرض عام

قبل إكتشاف النفط، اعتمد سكان الساحل العربي للخليج على الغوص لاستخراج اللؤلؤ الطبيعي لتأمين سبل معيشتهم الاقتصادية. وكما هو الحال مع النفط، كان الطلب في السوق الأوروبي وسوق أمريكا الشمالية هو المحدد الرئيسي لنجاح أو فشل كل موسم من مواسم تجارة اللؤلؤ.

وقبل بدء أعمال الاستكشاف واسعة النطاق لاحتياطيات النفط بالمنطقة في ستينيات القرن العشرين، كان الغوص لاستخراج اللؤلؤ هو النشاط الاقتصادي الرئيسي على طول الساحل العربي للخليج الفارسي. وكان اللؤلؤ يُستخرج من مياه الخليج منذ القِدَم، لكن لم تشهد هذه الصناعة نموًا متسارعًا إلا في منتصف القرن التاسع عشر لتلبية الطلب العالمي المتزايد.

كانت رقعة التجارة باللؤلؤ المُستخرج من الخليج تمتد لتشمل الهند وبلاد فارس والإمبراطورية العثمانية، ثم توسّعت لتشمل أوروبا وأمريكا الشمالية، حيث كانت الطبقات الأرستقراطية والمتوسطة الناشئة تعتبر اللؤلؤ قطعةً فاخرةً تُستخدم لتزيين المجوهرات والملابس. وبحلول النصف الثاني من القرن التاسع عشر، نمت تجارة اللؤلؤ في الخليج إلى درجة أنها وحّدت الشعوب من شتى الخلفيات تحت رايتها. ويسترجع ويليام بلجريف في ١٨٧٧ مقولة الشيخ محمد بن ثاني حاكم قطر التي أوضح له فيها: "من أرفع منزلة إلى أدنى عبيد، نحن جميعًا لنا سيدٍ واحدٍ، اللؤلؤ."

غواصون عرب في مهمة بحث عن اللؤلؤ بالخليج العربي بعدسة: جورج فريدريك كونز، كتاب اللؤلؤ (نيويورك: دار سنشري، ١٩٠٨). إهداء من وقف هاثي
غواصون عرب في مهمة بحث عن اللؤلؤ بالخليج العربي بعدسة: جورج فريدريك كونز، كتاب اللؤلؤ (نيويورك: دار سنشري، ١٩٠٨). إهداء من وقف هاثي

تنظيم صناعة اللؤلؤ

كان الغوص لاستخراج اللؤلؤ في الخليج نشاطًا موسميًا يمتد على مدار شهور الصيف الأربعة. وفي كل موسم، كانت تبحر مجموعة من قوارب استخراج اللؤلؤ من موانئ المنامة والدوحة ودبي وأبوظبي متجهة إلى الضفاف الساحلية الغنية بالمحار. وكان أغلب رجال تلك المدن منخرطين في الصناعة. وعمِل الموظفون أصحاب المرتبة الدنيا، والذين استُعبد الكثير منهم في أفريقيا وشبه القارة الآسيوية قبل ترحيلهم إلى الخليج، كغواصين وبحارة و"جاذبين" (وهم المسؤولون عن جذب الغواصين لأعلى بالحبال من قاع البحر).

وعاش هؤلاء الرجال على دفعات من الأموال تُمنح لهم في بداية كل موسم بمعرفة قائدهم (النخوذة)، الذي يملك أو يستأجر القوارب وكان مسؤول عن مأكل وملبس الطواقم. ويقوم تجار اللؤلؤ (الطواويش) بدورهم بتقديم دفعات الأموال إلى قائدي القوارب لتمويل موسم الغوص. وكان الطواويش يدفعون للنخوذة عند استلام اللؤلؤ. لذا يمكن القول أن صناعة اللؤلؤ كانت ترتكز على رأس مال مقترض.

مستخلص من خريطة تفصيلية للساحل العربي للخليج مُحدد بها مغاصات اللؤلؤ في ثلاثينيات القرن العشرين. IOR/R/15/1/616، ص. ٣
مستخلص من خريطة تفصيلية للساحل العربي للخليج مُحدد بها مغاصات اللؤلؤ في ثلاثينيات القرن العشرين. IOR/R/15/1/616، ص. ٣

السرد التاريخي لأنشطة الغوص لاستخراج اللؤلؤ

تلقي المصادر التاريخية بعض الضوء على مدى أنشطة الغوص لاستخراج اللؤلؤ وأرباحها بمرور الوقت، على الرغم من تعذر التحقق بشكلٍ دقيق من دقة أرقامها. وقد أخبر جيمس بكنجهام في كتابه الرحلات في آشور، ميديا وبلاد فارس الذي صدر في ١٨٢٩ أن صناعة اللؤلؤ في البحرين حققت عوائد تقدر بعشرين لكح من عملة الروبية عملة فضية هندية كانت تُستخدم بشكلٍ واسع في الخليج العربي. سنويًا، أي ما يعادل ٢٠٠،٠٠٠ جنيه إسترليني في ذلك الوقت. كما قدّر جيمس ويلستد في كتابة رحلات في بلاد العرب، الذي صدر في ١٨٣٨ أن ذروة الموسم في البحرين شهدت إبحار ٣٥٠٠ قاربًا من شتى الأشكال والأحجام، علاوة على ٧٠٠ قارب في الساحل بين قطر وعُمان.

كتب المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ في الخليج العربي لويس بيلي تقريرًا عن صناعة اللؤلؤ في ١٨٦٥، ذكر فيه أن البحرين شهدت خروج ١٥٠٠ قارب من قوارب استخراج اللؤلؤ أثناء موسم تجارة اللؤلؤ، حيث حققت أرباحًا بلغت ٤٠٠،٠٠٠ جنيه إسترليني سنويًا.

إحصاءات من قيمة اللآلئ المصدرة سنوياً من الخليج، ١٨٧٣-١٩٠٦. من دليل الخليج وعمان ووسط الجزيرة العربية، مجلد ١، الجزء ٢، ص. ٢٢٥٢. IOR/L/PS/20/C91/2
إحصاءات من قيمة اللآلئ المصدرة سنوياً من الخليج، ١٨٧٣-١٩٠٦. من دليل الخليج وعمان ووسط الجزيرة العربية، مجلد ١، الجزء ٢، ص. ٢٢٥٢. IOR/L/PS/20/C91/2

كتب جون لوريمر وهو مقيم سياسي آخر سردًا تاريخيًا عن صناعة اللؤلؤ بالخليج في كتابه دليل الخليج. وذكر أن الصناعة كانت تساوي ٦٢٥.٩٣٣ جنيه إسترليني في ١٨٧٣-١٨٧٤ و١.٠٧٦.٧٩٣ جنيه إسترليني بعد مضيّ ثلاثين عامًا في ١٩٠٤-١٩٠٥. كما أورد لوريمر كذلك أن مصائد اللؤلؤ في البحرين قد استعانت بـ ٩١٧ قاربًا وما يزيد عن ١٧،٥٠٠ عامل في ١٩٠٥. وفي دبي، أحصى لوريمر ٣٣٥ قاربًا من قوارب استخراج اللؤلؤ و٤١٠ قاربًا في أبوظبي و٣٥٠ قاربًا في الدوحة. وقد كتب لو هاريسون في ١٩٢٤ أن قيمة اللؤلؤ المُباع من البحرين في موسم ١٩١٣ بلغت حوالي تسعة ملايين دولار أمريكي.

التراجع

كانت صناعة اللؤلؤ بالمنطقة تشهد تراجعًا بطيئًا بالفعل خلال فترة زيارة هاريسون للخليج. وكان تطوير زراعة اللؤلؤ (المُنتج بطريقة صناعية) في اليابان اعتبارًا من ١٩١٦ على يد رجل الأعمال ميكيموتو كويتشي من العوامل الكبرى التي أسهمت في ذلك التراجع. وكان اللؤلؤ المزروع أكثر وفرة ويُقدر ثمنه بعشر ثمن اللؤلؤ المُستخرج في الخليج.

واعتبارًا من حقبة ثلاثينيات القرن العشرين، انخفضت أعداد أساطيل استخراج اللؤلؤ الخاصة بتلك المدن الواقعة على طول الساحل العربي، كما تضاءل التعداد السكاني للعديد من المدن بشكلٍ ملحوظ مع هجرة العمال بحثاً عن العمل في أماكن أخرى. وبين سنتيّ ١٩٠٨ و١٩٤١، تراجع التعداد السكاني للبحرين من حوالي ١٠٠،٠٠٠ فرد إلى ٩٠،٠٠٠ فرد (لوريمر، ١٩٠٨: المجلد ٢، إحصاءات التعداد السكاني للبحرين سنة ١٩٤١) بينما انخفض التعداد السكاني للدوحة من ٢٧،٠٠٠ فرد إلى ١٦،٠٠٠ فرد أثناء أربعينيات القرن العشرين.

وفي مستهل ستينيات القرن العشرين، اختفت تقريبًا صناعة اللؤلؤ التقليدية من المياه الساحلية للخليج بالتزامن مع نمو مرافق إنتاج النفط واسعة النطاق في جميع أنحاء المنطقة.