اللبان في ظفار: تجارة قديمة وسط توترات القرن التاسع عشر

اقتبس هذه المقالة

عرض عام

تقديرًا لأهمية التجارة، تُسلط سجلات المستعمرات البريطانية الضوء على حالة تجارة اللبان القديمة في منطقة ظفار في نهاية القرن التاسع عشر وكذلك بعض الصراعات التي ظهرت نتيجة لذلك.

يحظى اللبان بجاذبية ويأسر الخيال ولكن قليل من يعرف أن المركز الأكبر لإنتاجه هو مقاطعة ظفار بسلطنة عُمان، وهي المنطقة الوحيدة بشبه الجزيرة العربية التي تتعرض مباشرةً لرياح المحيط الهندي الموسمية.

وفي عُمان، ما زالت مقاطعة ظفار تضم أكبر مراكز إنتاج هذه المادة النادرة. وضعت هذه المواقع في يومنا هذا مع ميناء البلاد التاريخي ضمن مواقع التراث العالمي لليونيسكو لأن تجارة اللبان في هذه المنطقة ترجع إلى العصور القديمة.

"صورة لحصن البلاد من الجنوب، مع تلال سمحان في الخلفية ومسجد في المقدمة" حوالي١٩٠٧. IOR/R/15/1/397، ص. ٥١
"صورة لحصن البلاد من الجنوب، مع تلال سمحان في الخلفية ومسجد في المقدمة" حوالي١٩٠٧. IOR/R/15/1/397، ص. ٥١

وبينما بدأ ميناء البلاد التاريخي في التدهور في القرن الثاني عشر، إلا أنه تعرض للدمار مع حلول القرن الخامس عشر إلى جانب مركز التصدير الرئيسي الثاني - خور روري - نتيجة لأنماط التجارة المتغيرة على يد البرتغاليين وغيرهم من الشعوب الأوروبية في المنطقة.

القطف والتوزيع

كان اللبان يُقطف تقليديًا عن طريق قَطع صغير في لحاء شجرة اللبان. فتظهرعصارة هذه الشجرة وتتحول إلى مادة راتينية كانت تُجمع بعد ذلك وتُخزن في الكهوف لتجفيفها، وبعد التجفيف يمكن إرسالها إلى خور روري وميناء البلاد للتصدير إلى الهند أو إلى مصر وفلسطين على الجمال في قوافل تجتاز الطرق البرية.

ولكن ما السبب بالضبط وراء كون إنتاج اللبان في ظفار هو الأعلى جودة؟ تم كتابة "مذكرة بشأن مقاطعة ظفار جنوب الجزيرة العربية" في ١٩٤٣ من قبل مسؤول بريطاني يُدعى ج. ن. جاكسون، ووصف جاكسون فيها مدى تأثير طبوغرافيا ظفار وتوزيع الرطوبة على جودة راتين اللبان.

مذكرة بشأن مقاطعة ظفار ووضعها وكذلك أنماط هطول الأمطار فيها كتبها ج.ن. جاكسون في ٢٣ يونيو ١٩٤٣. IOR/R/15/1/398، ص. ٢
مذكرة بشأن مقاطعة ظفار ووضعها وكذلك أنماط هطول الأمطار فيها كتبها ج.ن. جاكسون في ٢٣ يونيو ١٩٤٣. IOR/R/15/1/398، ص. ٢

وطبقًا لجاكسون، أدى نمو أشجار اللبان في وديان الجانب الشمالي للجبال إلى إنتاج أجود راتين للبخور بسبب "جفاف الهواء".

وصف إضافي لتعرض السهل المحاط والمنحدرات الجنوبية لرطوبة الرياح الموسمية، مما يفسر كون المنحدرات الشمالية "خالية فعليًا من السُحُب والرطوبة". IOR/R/15/1/398، ص. ٣
وصف إضافي لتعرض السهل المحاط والمنحدرات الجنوبية لرطوبة الرياح الموسمية، مما يفسر كون المنحدرات الشمالية "خالية فعليًا من السُحُب والرطوبة". IOR/R/15/1/398، ص. ٣

فكما توضح هذه التقارير، لايزال لبان ظفار أجود وأغلى أنواع اللبان في السوق العالمي بسبب الظروف الجغرافية الفريدة لظفار.

درب اللبان

كان درب اللبان القديم من نقطة بدايته في ظفار مرورًا باليمن والسعودية إلى القدس أساسًا لثروة ضخمة عبر قرون.

ففي حوالي القرن الأول قبل الميلاد كانت القبيلة العربية الشمالية، الأنباط، من عاصمتها البتراء في الأردن الحالية تتحكم في معظم التجارة. وكانوا يسمحون لقوافل الجمال التي تحمل البخور بالمرور بأمان ولكنهم كانوا يتقاضون أجرًا نظير هذه الحماية.

التوترات الناتجة عن التجارة

في الواقع، لعبت ثروة صناعة اللبان في ظفار دورًا في التوترات السياسية الأحدث وكذلك الصراع الكلي بين سكان المنطقة وسلاطين مسقط.

في أواخر القرن التاسع عشر، مازلت الممارسة القديمة في تسهيل تجارة اللبان والتحكم فيها عن طريق ضريبة معينة. فهذا التقرير من قبل الرائد ج. هايز سادلر في ١٨٩٥ يسرد نزاع مع سلطان مسقط في ظفار حول مثل هذه الممارسات، والذي أدى إلى ثورة ضد حكم السلطان في المنطقة.

في الثالث من نوفمبر من ذلك العام استولت قبيلة آل كثير من الأنجاد على حصن السلطان في صلالة، حيث تم الاستيلاء على هذه الحامية بغتةً وقُتل نحو عشرة أو اثنا عشر رجلاً. ذكر هايز سادلر أن "هذا الهجوم كان انتقامًا لسجن رجل من قبيلة آل كثير اتُهم بمحاولة التهرب من سداد المستحقات السلطانية على شحنة كبيرة من اللبان مرت من ظفار منذ وقت قريب".

وعندما انضم سكان ظفار كلهم تقريبًا إلى آل كثير، استنتج هاي سادلر أن السخط على السلطان كان واسع النطاق حيث سند ذلك إلى "الطلبات الظالمة والإبتزازية" من والي السلطان، سليمان بن سويلم.

وصف لسجن رجل من قبيلة آل كثير اتُهم بمحاولة التهرب من المستحقات السلطانية على شحنة كبيرة من اللبان. هذا جزء من ملف عن هجوم لاحق على ظفار من قبيلة آل كثير. IOR/R/15/1/393، ص. ٢و
وصف لسجن رجل من قبيلة آل كثير اتُهم بمحاولة التهرب من المستحقات السلطانية على شحنة كبيرة من اللبان. هذا جزء من ملف عن هجوم لاحق على ظفار من قبيلة آل كثير. IOR/R/15/1/393، ص. ٢و

زاد النفوذ البريطاني على عُمان في القرنين التاسع عشر والعشرين حيث انتقل المسؤولون البريطانيون إلى ظفار لإعداد مثل هذه التقاريرعن اقتصاد وجغرافية ومجتمع البلاد. لذلك قام الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية في مسقط، الرائد و. ج. جراي بزيارة ظفار في ١٩٠٧، وأعد تقريرًا للمقيم السياسي في الخليج الفارسي المصطلح التاريخي المستخدم للإشارة إلى المسطح المائي الذي يفصل بين شبه الجزيرة العربية وإيران. علق فيه على استمرار تجارة اللبان:

تقوم الفئاتُ الفقيرة بالصيدَ وهناك القليل من الصادرات التجارية تتمثل في اللبان الذي يتم جمعه من جبل سمحان وتصديره في الأساس إلى بومباي في مراكب شراعية، والتي ترجع إلى عمان بالأرز والملابس وغيرها كبيع بالمقايضة.

انتج البريطانيون هذه السجلات عن استمرار إنتاج اللبان - رغم ضآلته - لأنهم كانوا مهتمين بالأجواء السياسية والاقتصادية في المنطقة، حيث أن عائدات السلطان - أيًا كان مصدرها - سوف تزيد من قابليته المالية للبقاء في السلطة، وبما ان السلطان قد قبل أن يستشير البريطانيين في كل "الأمور المهمة"، فإن هذه العائدات سوف تساعد على دعم النفوذ البريطاني في المنطقة والمحافظة عليه.