المكتبة البريطانية: كيف اندمجت مؤسسات عدة في مؤسسة واحدة

اقتبس هذه المقالة

عرض عام

تضم المكتبة البريطانية بين جنباتها كمًا هائلًا من المواد التي تغطي آلاف السنين بما في ذلك مجموعة ضخمة من المخطوطات العربية والمواد المتعلقة بالخليج.

تُعتبر المكتبة البريطانية مكتبة جديدة نسبيًا حيث ظهرت كمؤسسة مستقلة في سنة ١٩٧٣، إلا أن المواد التي تحويها أقدم منها بكثير - فكيف خرجت هذه المؤسسة الوطنية إلى النور؟

تأسيس المكتبة البريطانية

تأسست المكتبة البريطانية بموجب قانون المكتبة البريطانية لسنة ١٩٧٢ والذي اجتمعت بموجبه عدة مكتبات متفرقة تحت هيكل إداري واحد. كانت أكبر وأشهر هذه المؤسسات التي كونت المكتبة الجديدة هي مكتبة المتحف البريطاني التي تأسست مع المتحف ذاته من خلال إنشاء قسم الكتب المطبوعة سنة ١٧٥٣.

وكانت هذه المكتبة خلال المائتين وعشرين سنة من تاريخ تأسيسها قد أصبحت واحدة من أكبر وأشمل المكتبات في العالم. حيث لم تقتصر محتوياتها على الكتب فقط، بل تضمنت أيضًا المخطوطات والمجلات الدورية والجرائد والنوتات الموسيقية المطبوعة والوثائق الأرشيفية واللوحات والصور الفوتوغرافية والطوابع والخرائط وغيرها من المواد المتفرقة. وفي حين أن المكتبة حصلت على معظم المواد الحديثة من خلال الإيداع القانوني، فإن الاستحواذات المهمة الأولى كانت في صورة مشتريات ومنَح.

المجموعات الأساسية: كوتون، هارلي، سلون

تأسست مكتبة المتحف البريطاني من ثلاث مجموعات هامة ومرموقة. في سنة ١٦٠٢، قدم السير روبرت كوتون أول التماس جاد للملكة إليزابيث الأولى لتأسيس مكتبة وطنية، إلا أن الملكة لم تهتم بطلبه فكان مصيره الفشل. خلف كوتون عند وفاته مكتبته الخاصة التي تميزت بضخامتها وروعتها، بالإضافة إلى المكتبة التي كان قد ورثها عن آرثر إدواردز. وانتقلت ملكية المكتبتينإلى أحفاد كوتون الذين حولوهما إلى ملكية عامة سنة ١٧٠٠.

في سنة ١٧٠٤، اشترى السير روبرت هارلي المكتبة الخاصة لسيمونز ديوز (أحد أصدقاء كوتون) وأضاف إليها بعد ذلك مجموعات أخرى، بحيث أن حجمها عند وفاته في سنة ١٧٢٤ كان يقدر بنصف مليون مادة. وقد استمرت مجموعة هارلي في النمو بعد أن ورثها ابنه، إلا أنها تناثرت بعد ذلك للأسف حيث بيعت معظم مقتنياتها عقب وفاة الابن سنة ١٧٤١. أما المواد التي تبقت لدى العائلة فقد بيعت للدولة في سنة ١٧٥٣ وبذلكأصبحت المكوّن الثاني لما تحول فيما بعد إلى المكتبة البريطانية.

رسم بياني من إحدى مخطوطات سلون العربية في علم الهندسة. Sloane MS 3034، ص.٥ظ
رسم بياني من إحدى مخطوطات سلون العربية في علم الهندسة. Sloane MS 3034، ص.٥ظ

جاءت المجموعة الأساسية الثالثة من مكتبة السير هانز سلون، المتوفى أيضًا في سنة ١٧٥٣. كان سلون طبيبًا يهوى جمع التحف، حيث اقتنى متحفه الخاص المكون من التحف والمخطوطات - منها نحو مائة وعشرين باللغة العربية - والعينات النباتية. ونصت وصيته على أن تستحوذ  الدولة على مجموعته (أي أن تشتريها) وتتيحها للجميع. يذكر مايكل ليبمان في كتابه عن المكتبة البريطانية أن الملك تشارلز الثاني الذي كان على العرش وقتئذ "عارض فكرة إنشاء متحف وطني ومكتبة وطنية مثلما عارضتها إليزابيث قبل ذلك بنحو ١٥٠ سنة - إلا أن البرلمان تدخل في هذه المرة...". ومن هنا جُمعت مجموعات سلون وكوتون وهارلي معًا إيذانًا بميلاد المتحف البريطاني. وقد فتح المتحف البريطاني أبوابه للجمهور في موقعه الحالي في مونتاجيو هاوس للمرة الأولى سنة ١٧٥٩.

نمو مكتبة المتحف البريطاني

سرعان ما انضمت مكتبات ومجموعات خاصة أخرى لمكتبة المتحف البريطاني. ففي سنة ١٧٥٧  أهدى الملك جورج الثاني إلى المتحف البريطاني المكتبة الملكية (المعروفة أيضًا باسم المكتبة الملكية القديمة، والتي أسسها إدوارد الرابع في حوالي سنة ١٤٧١) . وبعدها بستة وستين سنة، أعقبتها مكتبة الملك التي جمعها الملك جورج الثالث ثم أهداها الملك جورج الرابع للدولة سنة ١٨٢٣. ومن بين المجموعات البارزة الأخرى مخطوطات آرونديل (التي كانت فيما مضى جزءًا من مجموعة تحف أكبر بكثير) والتي باعتها الجمعية الملكية للمتحف البريطاني في ١٨٣١-١٨٣٢.

تجليد إحدى مخطوطات آرونديل يظهر عليه شعار النبالة ونقش المكتبة الآرونديلية "Bibliotheca Arundeliana". Arundel Or 52
تجليد إحدى مخطوطات آرونديل يظهر عليه شعار النبالة ونقش المكتبة الآرونديلية "Bibliotheca Arundeliana". Arundel Or 52

ابتداءً من سنة ١٨٥١ وفي ظل إدارة أنطونيو بانيزي (الذي يعتبر من أكثر أمناء المكتبة تأثيرًا)، تم تفعيل قانون حقوق النشر لسنة ١٨١٤ بشكلٍ صارم، وهو القانون الذي يستلزم التبرع بنسخة من كل مادة مطبوعة في إنجلترا للمتحف البريطاني. منذ ذلك الحين والمكتبة تستقبل الاستحواذات الجديدة بالآلاف، وهي مستمرة في التدفق حتى يومنا هذا.

مكتبة بريطانية واحدة

بالإضافة إلى مكتبة المتحف البريطاني، تضمنت المكونات الأصلية الأخرى للمكتبة البريطانية الجديدة: مكتبة مكتب براءات الاختراع (التي تأسست سنة ١٨٥١ وعُرفت بعد سنة ١٩٦٢ باسم المكتبة الوطنية للعلوم والاختراع) والمكتبة المركزية الوطنية (التي تأسست سنة ١٩١٦) ومكتبة الإعارة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا (التي تأسست في بوسطن سبا سنة ١٩٦١). وأُضيفت مكتبات أخرى فيما بعد: الببليوجرافية الوطنية البريطانية ومكتب المعلومات العلمية والتقنية (١٩٧٤) ومكتبة وسجلات مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. (١٩٨٢) والمؤسسة البريطانية للتسجيلات الصوتية (١٩٨٣).

مثال من أرشيفات مكتب الهند: خطاب من يوسف بن بدر، الكويت، إلى المقدم لويس بيلي، المقيم السياسي البريطاني. Mss Eur F126/56، ص.١٥
مثال من أرشيفات مكتب الهند: خطاب من يوسف بن بدر، الكويت، إلى المقدم لويس بيلي، المقيم السياسي البريطاني. Mss Eur F126/56، ص.١٥

اشتملت مكتبة مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. على عدد كبير من المخطوطات العربية التي تشكل الآن جزءًا أساسيًا من المجموعات العربية في المكتبة البريطانية، أما سجلات مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. فهي موزعة ما بين أرشيفات شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا (١٦٠٠-١٨٥٨) وهيئة مراقبة أو هيئة مفوضي شؤون الهند (١٧٨٤-١٨٥٨) ومكتب الهند (١٨٥٨-١٩٤٧)، إلى جانب أرشيفات عددٍ من الوكالات البريطانية ذات الصلة في الخارج بما في ذلك منطقة الخليج. تضم هذه الأرشيفات خرائط وصور فوتوغرافية ومواد مطبوعة وأوراق شخصية، وتشغل مساحة قدرها حوالي تسعة أميال (أربعة عشر كيلومتراً) من الأرفف، وتغطي ما يزيد عن ثلاثمائة وخمسين سنة من الحكم الاستعماري البريطاني في الخارج.

ما زالت المكتبة البريطانية تحصل على نسخة من كل مادة مطبوعة تصدر في المملكة المتحدة وأيرلندا. وتحتفظ المكتبة بتشكيلة ضخمة من المواد المتنوعة في معظم اللغات المعروفة، يرجع تاريخ البعض منها إلى نحو ثلاثة آلاف عام. وفي ظل نمو المكتبة بمعدل ثلاثة ملايين مادة جديدة تقريبًا كل سنة فإن المجموعات الأساسية باتت محض قزم مقارنةً بهذا العملاق المتنامي.