انتكاس تجارة اللؤلؤ يدفع الغواصين "المُستَعبدين" إلى المطالبة بحريتهم

اقتبس هذه المقالة

عرض عام

تسبب التدهور العنيف في صناعة اللؤلؤ في الخليج خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين بزيادة أعداد غواصي اللؤلؤ الساعين إلى نيل حريتهم.

على مدار النصف الأول من القرن العشرين، كُلِّف المقيم البريطاني في بوشهر بالفصل في العديد من طلبات الإعتاق المقَدَّمة إلى الوكالات السياسية في المنطقة من العبيد على الساحل العربي للخليج، وقد وصل عدد طلبات الإعتاق لتي تم التعامل معها سنويًا إلى ذروته خلال ثلاثينيات القرن العشرين.

تتعلق أغلبية الحالات بشكاوى صيادي اللؤلؤ من الساحل المتصالح مسمى استخدمه البريطانييون من القرن التاسع عشر حتى ١٩٧١ للإشارة لما يُعرف اليوم بالإمارات العربية المتحدة. حول عدم كفاية المخصصات المقدمة لهم من أسيادهم.

مقتطف من شهادة إعتاق خاصة بغواص لؤلؤ، IOR/R/15/2/1367، ص. ١٠
مقتطف من شهادة إعتاق خاصة بغواص لؤلؤ، IOR/R/15/2/1367، ص. ١٠

النكسات التي مرت بها صناعة اللؤلؤ

وكان عدم الاستقرار في صناعة اللؤلؤ في الخليج آنذاك السبب الرئيسي وراء زيادة طلبات الاعتاق من قبل صيادي اللؤلؤ، وعذرهم لهروبهم من عملهم، حيث تدهورت صناعة اللؤلؤ نتيجة لسلسلة من الأحداث الكارثية. فقبل عقدين من الزمن، تسببت الحرب العالمية الأولى في انخفاض الطلب العالمي على اللؤلؤ. وتبع هذه الانتكاسة زيادة توافر اللؤلؤ الصناعي الأقل ثكلفةً من اليابان في عشرينيات القرن العشرين، وهو ابكتار كانت الحكومة البريطانية مترددة بإدخاله إلى الخليج.

وكان الانهيار المالي العالمي في سنة ١٩٢٩ بمثابة الكارثةً التي لم تتعاف منها صناعة اللؤلؤ في الخليج تماماً. ونتيجةً للانخفاض النهائي للطلب على اللؤلؤ الخليجي، واجه سكان الساحل المتصالح مسمى استخدمه البريطانييون من القرن التاسع عشر حتى ١٩٧١ للإشارة لما يُعرف اليوم بالإمارات العربية المتحدة. ، ، والذين كانوا يعتمدون كلياً تقريباً على صناعة مبنية على أسس اقتصادية متزعزعة كمصدر رزقهم الرئيسي حالةً من الفقر المدقع.

العمال المدينون والملزمون بعقود طويلة الأجل

مع تضاؤل هوامش ربح الصناعة، كان الغواصون وعمال السحب على متن المراكب الشراعية لصيد اللؤلؤ ممن تأثروا بأضرار إنهيار الصناعة. ومعظم هؤلاء الرجال، الذين ينحدرون من أصول أفريقية وآسيوية وهندية وعربية، لم يكونوا رقيقًا بالمعنى الشائع للكلمة، أي أنهم لم يكونوا ممتلكين.

بل كان يمثل هؤلاء الرجال ما نطلق عليه اليوم "عاملون بعقود طويلة الأجل". وكانوا يعتمدون على أرباب العمل، النواخيذ (قباطنة قوارب صيد اللؤلؤ) في الحصول على السلف المالية، ليس فقط لدفع ثمن المؤن الخاصة بهم خلال الموسم، بل أيضًا لإعالتهم طوال موسم الشتاء كما حدث في كثير من الحالات. لم يكن هذا النظام في صالح صيادي اللؤلؤ على الإطلاق، ولكن منذ أواسط عشرينيات القرن العشرين فصاعدًا ومع تدهور أرباح صناعة اللؤلؤ، زادت ديون صيادي اللؤلؤ عاماً بعد عام.

مقتطفات من شهادة إعتاق خاصة بغواص لؤلؤ، تُظهر المبالغ المتزايدة المستحقة عليه للنخوذة (القبطان) على مدار ثلاث سنوات (١٩٢٥-١٩٢٨). IOR/R/15/1/204، صص. ١١٢-١١٤
مقتطفات من شهادة إعتاق خاصة بغواص لؤلؤ، تُظهر المبالغ المتزايدة المستحقة عليه للنخوذة (القبطان) على مدار ثلاث سنوات (١٩٢٥-١٩٢٨). IOR/R/15/1/204، صص. ١١٢-١١٤

تشير بيانات الإعتاق في سجلات مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. إلى أنه، مع استمرار تراجع أرباح صناعة اللؤلؤ منذ بداية الحرب العالمية الأولى فما بعدها، أصبح الغواصون غير راضين على نحو متزايد بالمؤن المقدمة لهم من قبل القباطنة. وكانت عبارة "نقص الغذاء والكساء" هي العبارة الأكثر تكراراً من قبل موظفي الوكالة إما (١) مركز تجاري تابع لشركة الهند الشرقية؛ أو (٢) مكتب تابع لشركة الهند الشرقية ولاحقًا للراج البريطاني. في بيانات الإعتاق.

الاستجابة البريطانية

من جانبها، شعرت بريطانيا بعدم الارتياح لفكرة إعتاق صيادي اللؤلؤ العاملين بعقود طويلة الأجل. وقد أشار نائب المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ في الخليج العربي في ١٩١٧ إلى أن "صناعة صيد اللؤلؤ ستنهار بكاملها إذا سمح لأي غواص مدين بمبالغ كبيرة أن يهرب من مسؤولياته بمجرد ادّعاء أنه مُستَعبَد". وفي ١٩١٨، واستجابةً منها للنزاعات المتزايدة بين الغواصين وقباطنة مراكب صيد اللؤلؤ والتجار، وضعت السلطات البريطانية مجموعة من التوجيهات للوكلاء السياسيين لمساعدتهم في الفصل في النزاعات بين الغواصين وقباطنتهم. 

صياد اللؤلؤ يستعد للبحث عن المحار في مغاصات اللؤلؤ قبالة البحرين، ١٩١١. مستخدم الويب: محرق فوريفير / ويكيميديا كومونز / ملكية عامة
صياد اللؤلؤ يستعد للبحث عن المحار في مغاصات اللؤلؤ قبالة البحرين، ١٩١١. مستخدم الويب: محرق فوريفير / ويكيميديا كومونز / ملكية عامة

الحرية أم العبودية؟

لم تتمكن محاولات المسؤولين البريطانيين للتحكيم والإصلاح في صناعة اللؤلؤ في الخليج من تقديم الكثير من المساعدة لصيادي اللؤلؤ، ومع استمرار تأثير الكساد حتى أواسط ثلاثينيات القرن العشرين، تغيرت آراء الرقيق والأسياد تغيرًا ملحوظًا. وفي يناير ١٩٣٦، كتب برسي لوك، الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية في البحرين، رسالة إلى ترنشارد فاول، المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ في بوشهر، واصفاً فيها الموقف الحالي في البحرين " أدت الأزمة المالية إلى ظروف غير اعتيادية نوعاً ما وأسهمت في تدهور قيمة اللؤلؤ".

وصف لوك كيف أن سادة العبيد، الذين كانوا يرسلون عبيدهم حتى ذلك الوقت للعمل على المراكب الشراعية لصيد اللؤلؤ كل صيف، كانوا حريصين على التخلص مما يعتبرونه الآن مسؤولية اقتصادية، حتى وإن كان ذلك يعني الخسارة لاستثماراتهم. كما أشار لوك إلى أن العبيد أنفسهم "لا يمانعون كثيرًا في الذهاب إلى أي مكان طالما أن هناك سيد يوفر لهم الغذاء والكساء"، وأضاف قائلًا أن الذين ولدوا كعبيد "أرادوا أن يبقوا عبيداً".

مركب الداو الشراعي لصيد اللؤلؤ وطاقمه قبالة ساحل البحرين، ١٩١١. مستخدم الويب: محرق فوريفير / ويكيميديا كومونز / ملكية عامة
مركب الداو الشراعي لصيد اللؤلؤ وطاقمه قبالة ساحل البحرين، ١٩١١. مستخدم الويب: محرق فوريفير / ويكيميديا كومونز / ملكية عامة

مع ركود صناعة اللؤلؤ على الساحل العربي، كانت صناعة النفط الناشئة في المنطقة تشهد نمواً تدريجيا. ومنذ أواسط ثلاثينيات القرن العشرين إلى نهايتها، ازداد عدد العبيد الذين طالبوا بإعتاقهم من المسؤولين البريطانيين ووصفوا أنفسهم بأنهم عمال في شركة نفط، مما يشير إلى أن عدداً قليلاً من الأسياد قاموا بإعادة توظيف رقيقهم في نشاط اقتصادي أكثر ربحاً. وقد بدأ صيادو اللؤلؤ في البحرين وقطر وعلى امتداد الساحل العربي في البحث عن فرص عمل جديدة لدى شركات النفط التي كانت بحاجة إلى عمالة يدوية لاستكمال بنيتها التحتية.