حادث دبي في ١٩١٠: معركة بالأسلحة النارية دمّرت علاقات بريطانيا مع إمارات الساحل المتصالح

اقتبس هذه المقالة

عرض عام

أدى تصاعد التوتر بين البريطانيين وشيخ دبي إلى نشوب معركة بالأسلحة النارية في ١٩١٠ كبّدت العديد من الخسائر في الأرواح وألحقت أضرارًا طويلة الأجل بالعلاقات بين البريطانيين والسكان المحليين في إمارات الساحل المتصالح.

بلغ التوتر المتصاعد بين المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ البريطاني في الخليج العربي، المقدم بيرسي زكريا كوكس وشيخ دبي بشأن الدوريات البحرية البريطانية في الخليج وقمع تجارة الأسلحة المحلية ذروته في صباح ٢٤ ديسمبر ١٩١٠. وما تلا ذلك كان القصد منه شنّ غارة أمنية ناجحة، غير أن العملية أخذت منعطفًا شديد السوء ونجم عن ذلك وقوع خسائر كبيرة في الأرواح.

الدوريات البحرية

في ١٩١٠، شعر البريطانيون بالقلق إزاء انتشار تجارة الأسلحة غير الشرعية من مسقط عبر الخليج وإلى الحدود الشمالية الغربية منطقة في الهند البريطانية كانت تحاذي أفغانستان. للهند؛ حيث كان يستعين رجال القبائل الأفغانية بتلك الأسلحة في شنّ غارات على الأراضي التابعة للإمبراطورية البريطانية. ونتيجةً لذلك، سيّر البريطانيون دوريات بحرية في الخليج لاعتراض تلك التجارة.

وكانت إحدى تلك السفن المشاركة في الدوريات، سفينة البحرية الملكية هايسنث، تجوب الساحل المتصالح مسمى استخدمه البريطانييون من القرن التاسع عشر حتى ١٩٧١ للإشارة لما يُعرف اليوم بالإمارات العربية المتحدة. عندما تلقت تقارير تفيد بوجود مخبأ للأسلحة في دبي. وقرر النقيب جي.دي.ديك قائد سفينة هايسنث اتخاذ إجراء فوري.

بنادق مدفونة

ومن باب الحذر، أخطر ديك حاكم دبي الشيخ بطي بن سهيل آل مكتوم بنيته إجراء عملية تفتيش عن الأسلحة في منزلين بالمدينة. وقبل بزوغ فجر يوم ٢٤ ديسمبر، اتجه ديك مصطحبًا فرقة تتألف من أربعة ضباط وأربعة وستين جنديًا نحو الشاطئ.

وعلى الرغم من أنه قد توقع مقابلة الشيخ لدى وصوله، إلا أنه قرر المضيّ قدمًا عندما تخلف الشيخ عن الحضور. وسارت الفرقة عبر شبكة من الشوارع الضيقة متجهةً إلى منزلٍ بعينه. وبعد إجراء عملية تفتيش، لم يفارقهم الشك وعمدوا إلى حفر أرضية غرفة محددة حيث وجدوا ثلاثة بنادق. وكانت البنادق عتيقة الطراز (النوع) وكان من الصعب جدًا إطلاق النار منها.

رسم تقريبي من الذاكرة لدبي يظهر اقتراب وحدة الإستطلاع البري من سفينة البحرية الملكية هياسنث، بتاريخ ٢٦ ديسمبر ١٩١٠. IOR/R/15/1/235، ص. ٢٤و
رسم تقريبي من الذاكرة لدبي يظهر اقتراب وحدة الإستطلاع البري من سفينة البحرية الملكية هياسنث، بتاريخ ٢٦ ديسمبر ١٩١٠. IOR/R/15/1/235، ص. ٢٤و
رسم تقريبي من الذاكرة للموضع الذي اتخذه الرائد هيريوت في دبي، بتاريخ ٢٦ ديسمبر ١٩١٠. IOR/R/15/1/235، ص. ٢٥و
رسم تقريبي من الذاكرة للموضع الذي اتخذه الرائد هيريوت في دبي، بتاريخ ٢٦ ديسمبر ١٩١٠. IOR/R/15/1/235، ص. ٢٥و

معركة بالأسلحة النارية

ثم بدأ نصف أفراد القوة في شق طريقهم متجهين صوب المنزل الثاني، ولكن قبل بلوغه بمسافة كبيرة سُمع صوت أعيرة نارية وشوهد مسلحون عرب يعدون في الشوارع. ولقي رقيب في البحرية الملكية وأربعة بحارة مصرعهم في معركة الأسلحة النارية التي تلت ذلك، وجُرح تسعة آخرون.

كما لقي اثنا عشر عربيًا مصرعهم في الاشتباكات التي خلفت عدد غير معلوم من الجرحى. وبالتزامن مع استعداد الفرقة البريطانية للانسحاب، فتحت مدافع السفينة هايسنث نيرانها لتمنح غطاءً للفرقة، مطلقةً قذائف لدايت يبلغ مقاسها ستة بوصة (قذائف "شديدة الانفجار") صوب المنازل القريبة من الشاطئ. وهو ما أسفر عن وفاة خمسة وعشرين عربيًا آخرين.

إنذار إلى الشيخ

ووفقًا للرواية البريطانية، عندما لم يظهر الشيخ، بدا أنه من السهل عليه التحكم في إطلاق النار من جانبه. وبعد مضيّ بضعة أيام، أتجه كل من كوكس واللواء السير ايدموند جون وار سليد، القائد العام لمحطة الهند الشرقية بسرعة نحو دبي، لدعوة الشيخ للصعود على متن السفينة ولتوجيه إنذارًا له.

مستخلص من برقية مُرسلة من المقيم السياسي إلي الوكيل في مسقط، ٨ يناير ١٩١١، ص. ٣١
مستخلص من برقية مُرسلة من المقيم السياسي إلي الوكيل في مسقط، ٨ يناير ١٩١١، ص. ٣١

حيث طلبا تسليم أربعمائة بندقية صالحة للاستعمال من المواطنين في دبي بالإضافة إلى إنشاء مكتب تلغراف ودفع غرامة تبلغ ٥٠،٠٠٠ روبية عملة فضية هندية كانت تُستخدم بشكلٍ واسع في الخليج العربي. . ويتوقف ردّ الغرامة أو أي جزء منها على موافقة الشيخ على تعيين وكيل بريطاني ترافقه قوة حراسة شخصية ومنحه مقر إقامة مع ضمان معاملته بطريقة ودية. ووافق الشيخ على دفع الغرامة وتسليم أقصى عدد يمكنه العثور عليه من البنادق، لكنه كان مترددًا في قبول تعيين الوكيل.

الاحتجاجات العربية ورد فعل الصحافة

اشتكى الشيخ أنه فور وصول القوات البريطانية "فتحوا نيران أسلحتهم وأمعنوا في قتل رجاله". وتشمل المراسلات بين الشيخ والمقيم البريطاني التي تلت الحادث شهادة شهود عيان للعديد من المواطنين البارزين المقيمين في دبي، مرفق بها عدد هائل من الأختام الشخصية.

حادث دبي: بنادق سلمها شيخ دبي ومعروضة على متن سفينة البحرية الملكية فوكس. مكتبة الكونغرس، فهرس المطبوعات والصور على الانترنت (ملكية عامة)
حادث دبي: بنادق سلمها شيخ دبي ومعروضة على متن سفينة البحرية الملكية فوكس. مكتبة الكونغرس، فهرس المطبوعات والصور على الانترنت (ملكية عامة)

غير أن السجلات تُظهر تسليم كل من الأسلحة والغرامة المقدرة بـ ٥٠،٠٠٠ روبية عملة فضية هندية كانت تُستخدم بشكلٍ واسع في الخليج العربي. . كما حذر اللواء سليد في مذكرة صادرة في أغسطس ١٩١١ قادة البحرية البريطانية في الخليج مطالبًا إياهم باتخاذ أقصى درجات الحيطة مستقبلاً في جميع العمليات المتعلقة بقمع تجارة الأسلحة.

وشددت الصحافة البريطانية على أن الشيخ لُقن درسًا قاسيًا: فقد ذكر أحد مراسلي صحيفة التايمز في ٤ أبريل ١٩١١ أن "العقوبة الموقعة" على شيخ دبي "ستُثني قادة إمارات الساحل المتصالح مسمى استخدمه البريطانييون من القرن التاسع عشر حتى ١٩٧١ للإشارة لما يُعرف اليوم بالإمارات العربية المتحدة. الباقين عن الحذوّ حذوه."

العواقب

وعلى الرغم من انتهاء الحادث دون أن يشهد وقوع المزيد من أعمال العنف، فقد كتب محمد مرسي عبد الله في كتابه "دولة الإمارات العربية الحديثة: تاريخ حديث " أن "التأثير طويل الأجل الأكثر أهمية الذي خلفه الحادث هو إثارة الكراهية ضد التجار الهنود والمزارع البريطانية". وفي موضع آخر، كتبا سوزان موادي دراج وميريدث بولر "لم يعد شيوخ إمارات الساحل المتصالح مسمى استخدمه البريطانييون من القرن التاسع عشر حتى ١٩٧١ للإشارة لما يُعرف اليوم بالإمارات العربية المتحدة. يرون بريطانيا كحليف، بل كقوة قمع".

وعلاوة على ذلك، حاول كبار المسؤولين البريطانيين في الفترة التي تلت الحادث مباشرة إصلاح الموقف عبر تقديم سلسلة من الطلبات العقابية لحاكم دبي، وهو ما لم يفلح إلا في زيادة التوتر. وتعرضت تلك المطالب والعملية ذاتها إلى الانتقاد اللاذع من جانب الحكومة البريطانية في الهند كما أحدثت أضرارًا طويلة الأجل بالعلاقات مع شعوب إمارات الساحل المتصالح مسمى استخدمه البريطانييون من القرن التاسع عشر حتى ١٩٧١ للإشارة لما يُعرف اليوم بالإمارات العربية المتحدة. .