عرض عام
في ١٩ مارس ١٩٣٨، كتب الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية في الكويت جيرالد دي غوري إلى المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ في بوشهر ترنشارد فاول لإبلاغه بأن المعارضة للشيخ أحمد الجابر الصباح، حاكم الكويت، قد "إختفت" بعد "أن جلد أحد أفراد عائلة البراك" في العلن. تم القبض على محمد البراك وهو يكتب على الجدران عبارات مسيئة عن الشيخ أحمد، وكان قائد إضراب من قبل سائقي سيارات الأجرة المحتجين لقرار حظر سفر النساء إلى خارج المدينة بدون مرافق، وكانت هذه الرحلات مصدرًا للدخل المنتظم للسائقين. وأعتبرت حادثة الاعتداء عليه بالضرب وتعذيبه لاحقاً لحظة فارقة في ما عُرف بعدئذٍ بحركة المجلس في الكويت.
عِقد من السخط
كانت المعارضة لحكم الشيخ أحمد تنمو لبعض الوقت، وكان قائدي المعارضة عبارة عن تجار بارزون ينتمون إلى السُنة في الكويت، وكان الكثير منهم قد هاجروا مع عائلة الصباح الحاكمة من نجد في القرن الثامن عشر، كما شملت المعارضة فئة من عائلة الصباح بقيادة عبد الله السالم، ابن عم الشيخ أحمد. كانوا يعبرون عن معارضتهم عن طريق دعوات لتشكيل مجلس منتخب وشكاوى ضد إدارة البلاد: غياب العدالة في توزيع موارد الدولة، فساد نظام العدل، نقص الإنفاق على التعليم والتدريب، عدم تكافؤ الفرص في الانتخابات البلدية، أسلوب حياة الشيخ وعدم تواصله مع شعبه وعائلته.
تمثل حركة المجلس تطورًا مهمًا في تاريخ الكويت والإصلاح السياسي في الخليج بشكل عام. وأدت ظهور الحركة واستجابة بريطانيا لها إلى إبراز القوى السياسية المؤثرة في المنطقة في ذلك الوقت. وكانت هناك أسباب أعمق للاضطراب في الكويت. وكانت المصاعب الاقتصادية كبيرة بالتأكيد، حيث استمر الحظر التجاري على الكويت المفروض من قبل بن سعود نحو عقدين من الزمن، كما كانت تأثيرات صناعة اللؤلؤ الصناعي اليابانية ملموسة من خلال الركود في تجارة اللؤلؤ في الخليج. ومع استمرار الكساد العالمي، ساءت أحوال التجار الكويتيين.
القومية العربية وارتباط العراق بها
في حوالي ذات الوقت الذي وقعت فيه حادثة البراك، ظهرت مقالات في الصحافة العراقية داعمةً لحركة المجلس. وكانت ترجمات هذه المقالات تُرسل بانتظام من قبل الوكالة إما (١) مركز تجاري تابع لشركة الهند الشرقية؛ أو (٢) مكتب تابع لشركة الهند الشرقية ولاحقًا للراج البريطاني. السياسية في الكويت إلى مقيمية مكتب تابع لشركة الهند الشرقية، ومن ثمّ للراج الهندي، أُسِّس في الأقاليم والمناطق التي كانت تُعتبر جزءًا من الهند البريطانية أو ضمن نطاق نفوذها. بوشهر. احتوت عدة مقالات على دعوات لضم الكويت للعراق، مع الدعوى بأنها "منطقة عراقية" يعتبرها العراقيون أنها "جزءًا من بلادهم". وترجع الجذور التاريخية لهذا الادعاء إلى الارتباط الاقتصادي والإداري القديم بين الكويت وولاية البصرة العراقية. وتوطد هذا الإرتباط من خلال العلاقات الوثيقة بين النبلاء الكويتيين والعراق، حيث يمتلك الكثير منهم أراضي فيها، ولهم روابط شخصية هناك.
يمكن دراسة تأثير القومية العربية من خلال المقالات المنشورة في الصحف العراقية، وقد ظهرت حركة القومية بعد تقسيم الشرق الأوسط بين بريطانيا وفرنسا بعد الحرب العالمية الأولى. في شهر مايو، نشرت صحيفة الكرخ الرأي بأن ترك الكويت "تائهة في ظلام الجهل وسوء الإدارة" سيكون من الأمور التي "توجع قلب كل عربي". وقبل ذلك بشهر، كانت صحيفة الاستقلال قد دعت الكويتيين إلى "الانضمام إلى حركة الصحوة العامة" و"المشاركة في المجال الواسع للمسعى الوطني". قامت المراكز الحضرية في بيروت ودمشق والقدس وبغداد بإذاعة تلك الأفكار إلى الكويت وأجزاء أخرى من الخليج.
الاستجابة البريطانية
أثار التدخل البريطاني المتزايد في شؤون الكويت السخط في البلاد، لاسيما فيما يتعلق بمراقبة العلاقات الخارجية والهجرة. ودفع ذلك البريطانيين إلى الاستجابة بالتحرك لحماية مصالحهم في البلاد، لاسيما المتعلقة بالنفط، مراعين في ذلك القوة المحتملة للقومية العربية. وقد كانت استجابتهم مثالًا يوضح كيف يمكن التلاعب الحذر مع القوى المحلية أن يخدم المصالح الاستعمارية من خلال تجنب حدوث تغيير غير مرغوب فيه من قبل جهات خارجية.
كتب فاول إلى الشيخ أحمد في يونيو ينصحه بالإستجابة إلى مطالب المنشقين بتشكيل مجلسًا. رأى فاول أن أفضل طريقة للتعامل مع هذه الحركات كانت من خلال "التوجيه الودي للحركة إلى قنوات عمل مفيدة". وعلى الرغم من أن الشيخ أحمد وافق في النهاية على تشكيل المجلس في أوائل شهر يوليو، لكنه كان يميل إلى أن يتخذ المجلس الشكل التنفيذي المنتخب أكثر من كونه مجرد هيئة استشارية كما كان يأمل فاول. وعندما بدأ المجلس يهتم بمسألة النفط، خشيت بريطانيا على امتيازاتها وبدأت تدعم الشيخ أحمد مرة أخرى.
لم يدم المجلس طويلًا، حيث قام الشيخ أحمد بحل المجلس بشكل دائم في مارس ١٩٣٩، لكن المجلس أصبح باطل وغير مؤثر بالفعل منذ شهر ديسمبر السابق، عندما كتب فاول أنه "أُعيد ضبط ميزان القوة بين الشيخ والمجلس لصالح الأول، مما يناسب مصالحنا". وعلى الرغم من فشلها في تحقيق الإصلاح السياسي، تعتبر حركة المجلس من الحركات الأولى من نوعها في الخليج. كما ساعدت الأحداث التي شهدها سنة ١٩٣٨ في إكتساب الكويت لمكانتها المناسبة في السياق الشرق أوسطي. وتوضح وثائق مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. أيضًا كيف استجابت الإمبريالية البريطانية لهذه الحركات الإقليمية.