عرض عام
لمحة عامة عن وكالة جمبرون
"جمبرون" هو الاسم الذي أطلقه الإنجليز على بندر عباس، وهي بلدة ذات ميناء تقع على الساحل الشمالي للخليج. وكان اسم جمبرون مأخوذًا، مع التعديل، من كلمة "كامباراو" «Cambarão» أو "كاموراو" «Comorão» باللغة البرتغالية، المأخوذتان بدورهما من الكلمة الفارسية "گمرک" ونسيبتها التركية «gümrük» (وهما مصدر كلمة "جُمرُك" في اللغة العربية) في إشارةٍ إلى مصلحة الجمارك. في عام ١٦٢٣، بعد طرد البرتغاليين من هرمز والبحرين ومع تزايد اهتمام شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا بالمنطقة، أنشأت الشركة وكالةً في جمبرون بهدف إدارة أنشطتها التجارية على الساحل الشمالي للخليج. وبعد فترةٍ قصيرة، أصبحت وكالة إما (١) مركز تجاري تابع لشركة الهند الشرقية؛ أو (٢) مكتب تابع لشركة الهند الشرقية ولاحقًا للراج البريطاني. جمبرون مركز التجارة البريطانية ونشاطها السياسي في المنطقة.
ترأّس أحد كبار الوكلاء "مجلس" صنع القرار في الوكالة إما (١) مركز تجاري تابع لشركة الهند الشرقية؛ أو (٢) مكتب تابع لشركة الهند الشرقية ولاحقًا للراج البريطاني. . ونسّق أعضاء المجلس أعمالهم مع الوكلاء والوسطاء والشركاء المحليين في بقية المؤسسات البريطانية في بلاد فارس، وخاصةً في أصفهان وكرمان وشيراز. ومنذ عام ١٦٣٥، نسّقوا أعمالهم أيضًا مع المقيم البريطاني التابع لشركة الهند الشرقية في البصرة، الذي كان على اتصالٍ مباشر مع المسؤولين العثمانيين والبريطانيين في بغداد وحلب وإسطنبول، بالإضافة إلى المسؤولين في الهند البريطانية.
من نواحٍ عديدة، كانت الوكالة إما (١) مركز تجاري تابع لشركة الهند الشرقية؛ أو (٢) مكتب تابع لشركة الهند الشرقية ولاحقًا للراج البريطاني. تدين بوجودها وتجارتها في المنطقة إلى بعض المنَح المَلَكية التي تؤكد امتيازاتٍ تجارية محددة تُعرف باسم "الرُّقوم". مُنحت هذه الرقوم منح مَلَكية من شاه بلاد فارس تؤكد امتيازات تجارية معينة. لبريطانيا من شاه بلاد فارس، وجُدِّدت عند الضرورة، على سبيل المثال عند تغيير السلالة الحاكمة أو الحاكم أو غيرها من الظروف.
تأثَّر عمل وكالة إما (١) مركز تجاري تابع لشركة الهند الشرقية؛ أو (٢) مكتب تابع لشركة الهند الشرقية ولاحقًا للراج البريطاني. جمبرون والمؤسسات البريطانية الأخرى بوضع التجارة والظروف السياسية العامة في كثيرٍ من الأحيان. والأمثلة على ذلك كثيرة، منها سلسلة الغزوات الأفغانية التي بدأت في ١٧٢٢، ومقتل نادر شاه في ١٧٤٧، بالإضافة إلى العمليات العسكرية المستمرة في المنطقة. تسببت مثل هذه الأحداث في إغلاق المؤسسات البريطانية بشكلٍ مؤقت، وفي بعض الحالات أدّت إلى إغلاقها الدائم. ففي عام ١٧٦٣، أُغلقت وكالة إما (١) مركز تجاري تابع لشركة الهند الشرقية؛ أو (٢) مكتب تابع لشركة الهند الشرقية ولاحقًا للراج البريطاني. جمبرون بسبب تراجع مكانة البلدة والاضطرابات المتكررة بها، ونُقلت مهام الوكالة إما (١) مركز تجاري تابع لشركة الهند الشرقية؛ أو (٢) مكتب تابع لشركة الهند الشرقية ولاحقًا للراج البريطاني. إلى المؤسسات البريطانية في البصرة وبوشهر.
طريقة تنظيم يوميات جمبرون
كانت المشاورات التي تحدث في وكالة إما (١) مركز تجاري تابع لشركة الهند الشرقية؛ أو (٢) مكتب تابع لشركة الهند الشرقية ولاحقًا للراج البريطاني. جمبرون تُسجَّل في صورة يوميات، بحيث يغطي كل سجل من سجلات اليوميات عادةً فترة سنةٍ واحدة. وكانت نسخ اليوميات تُرسَل عن طريق البحر إلى المقر الإداري للشركة في رئاسة الاسم الذي كان يُطلق على كل تقسيمٍ من التقسيمات الثلاث للأقاليم التابعة لشركة الهند الشرقية، وفيما بعد للراج البريطاني، في شبه القارة الهندية. بومباي. وتقدّم يوميات جمبرون الاثنتين والثلاثين الباقية إلى يومنا هذا لمحةً عن التاريخ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لبلاد فارس والخليج خلال القرن الثامن عشر.
واليوميات الباقية مجلدة في ثلاثة عشر مجلدًا منفردًا، وهذه المجلدات مصنفة في سجلات مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. ضمن السلسلة الثانوية IOR/G/29/2 إلى IOR/G/29/14، ومؤرخة في الفترة من نوفمبر ١٧٠٨ إلى فبراير ١٧٦٣. وتشير أي فجوات ضمن هذين التاريخين إلى أن اليوميات لم تكن موجودة في الأساس أو أنها فُقدت أو وُضعَت في غير محلها أو أُزيلت من السجلات في مرحلةٍ ما. تحتوي معظم المجلدات على سجل يومياتٍ واحد لكل مجلد، باستثناء المجلد IOR/G/29/5 الذي يحتوي على تسع يوميات، وIOR/G/29/6 الذي يحتوي على سبعٍ منها، وIOR/G/29/7 الذي يحتوي على ستٍ منها. وتحتوي بعض هذه اليوميات على جدول محتويات في بداية المجلد.
الموضوعات التي تتناولها اليوميات
تسجّل يوميات جمبرون المشاورات التي جرَت في الوكالة، وتشمل القرارات الإدارية المتخذة، والرسائل المرسلة والواردة، والزيارات من الوكالة إما (١) مركز تجاري تابع لشركة الهند الشرقية؛ أو (٢) مكتب تابع لشركة الهند الشرقية ولاحقًا للراج البريطاني. وإليها، والنشاطات التجارية، والعمليات العسكرية البرية والبحرية، بالإضافة إلى تقارير متنوعة عن الأحداث السياسية والتجارية الأخرى في المنطقة.
وبصرف النظر عن طبيعتها الإدارية، تبرز اليوميات كمصدرٍ غزير بالمعلومات وغير مستغَلّ لدراسة النشاطات التجارية في بلاد فارس والخليج في القرن الثامن عشر. يتجلى ذلك فيما توثّقه اليوميات من أنشطة الشركات التجارية البريطانية والهولندية والفرنسية، بالإضافة إلى أنشطة التجار المحليين في المنطقة من الفُرس والعرب، والأرمن أحيانًا. وتساعد هذه السجلات في تتبُّع تاريخ اهتمام القوى الأجنبية بالمنطقة، ومواجهاتها مع السلطات المحلية وفيما بينها.
كما تكشف سجلات النشاطات التجارية اللثام عن بعض المعلومات المدهشة حول حركة السفن الأجنبية والمحلية والموانئ المزدهرة في ذلك الوقت. وتتكرر أسماء بعض السفن في السجلات، منها: "دريك"، "بريطانيا"، "كوين كارولينا"، "سوالو"، "فيض رباني"، "ووريك". كما تتعدد الموانئ التي أبحرت السفن منها وإليها، مثل: بندر عباس، بومباي [مومباي]، البصرة، بندر ريق، سورات، بندر جارك، المخا، مسقط، بوشهر.
ويأتي توثيق الجانب التجاري أيضًا في سجلات البضائع المتداوَلة، لا سيما المنسوجات الصوفية والأرز والحبوب والسكر والنحاس والتوابل والقهوة. كما توجد إشارات عديدة إلى أسماء العملات الفارسية المستخدَمة في ذلك الوقت وأسعار صرفها بالروبية الهندية، مما يجعل من تلك السجلات مصدرًا مهمًا لأسعار الصرف في القرن الثامن عشر.
إلا أن أبرز ما تحتويه اليوميات هو تسجيلها للأوضاع الراهنة في ذلك الوقت والعمليات العسكرية البرية والبحرية التي كانت لا تكاد تنتهي. وهذه السجلات تعرّف القراء على أسماء الجنرالات العسكريين البارزين وحكام المناطق والقبائل المؤثِّرة والمشارِكة في هذه العمليات. تتضمن هذه الأسماء على سبيل المثال لا الحصر: شاه طهماسب الثاني، نادر شاه أفشار، أحمد شاه أفغان دراني، شهروخ ميرزا لقب تشريفي كان يُستخدم للأمراء، ثم للقادة العسكريين، ولاحقًا للوزراء وزعماء القبائل وغيرهم من "النبلاء". أفشار، كريم خان زند، آزاد خان غلزائي، ناصر خان آل مذكور، الشيخ أحمد المدني، الشيخ حاتم بن جبارة النصوري، الشيخ راشد القاسمي، الشيخ رحمة القاسمي، بالإضافة إلى قبائل الجبور وبني معين وآل علي.
والواقع أنّ عددًا كبيرًا من البلدات والمقاطعات مذكورٌ أيضًا في اليوميات في سياق التقارير عن العمليات العسكرية. وتشمل هذه البلدات بندر عباس وأصفهان وقزوين ويزد وتبريز وخراسان ومشهد ومازندران وشيراز وجزيرة قشم.
ومن حينٍ لآخر، ترد في اليوميات تدويناتٌ شيقة عن حفلات الزفاف والوفيات والاحتفالات والنزاعات الشخصية وما شابه. ومن الأمثلة على ذلك خبر تزويج ملا علي شاه، حاكم جمبرون، ابنته من شيخ جلفار. وهناك مثالٌ آخر مثير للانتباه وهو الخلاف بين بعض المسؤولين الفارسيين الذين يحاولون الاستيلاء على ممتلكات الراحل الشيخ راشد من باسعيدو، وردّ فعل أرملته، المدعومة من عرب جلفار. تشهد هذه الأمثلة على ثراء اليوميات كمصدرٍ أوّلي قيّم عن بلاد فارس والخليج خلال القرن الثامن عشر.
وهناك ميزة أخيرة جديرة بالعرض وهي التهجئة المضحكة التي تظهر بها الأسماء والمصطلحات غير الإنجليزية في اليوميات. فمن المرجّح أنّ موظفي الوكالة إما (١) مركز تجاري تابع لشركة الهند الشرقية؛ أو (٢) مكتب تابع لشركة الهند الشرقية ولاحقًا للراج البريطاني. حاولوا تدوين كلمات معينة كما سمعوها من السكان المحليين، مما أدى إلى كتابة العديد من هذه الأسماء والمصطلحات بتهجئات متباينة بالحروف اللاتينية في أنحاء اليوميات. على سبيل المثال، نرى اسم "شيراز" مكتوبًا بعدة طرق، منها: Shayrash/Shyrass/Schyrash، بينما يرد اسم السفينة "فيض رباني" مكتوبًا: Fouzerabooni/Fuzeraboony/Fezraboony. حتى أنه يصعب الجزم بالاسم الأصلي في بعض الحالات دون معرفة مسبقة باللغة العربية أو الفارسية.
الخاتمة
تمثل يوميات جمبرون الباقية إلى يومنا هذا مصدرًا أوّليًا بارزًا للتاريخ التجاري والسياسي والعسكري للمنطقة، لما تتناوله من موضوعاتٍ متنوعة. ومع ذلك، لا يوجد شك في أن ما توثقه اليوميات من أحداثٍ سياسية وعسكرية يفوق كمًا النشاطات التجارية المسجلة. والتفسير الوحيد لذلك هو أن وجود شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا في المنطقة لم يكن لمصلحةٍ تجارية بحتة، بل أنّ هذه اليوميات الشيقة تُظهر الدور الذي لعبته شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا في مسار الأحداث في بلاد فارس ومنطقة الخليج منذ القرن الثامن عشر فما بعده.