ظهور قطر: دور بيلي في اعتراف بريطانيا بالدولة سنة ١٨٦٨

اقتبس هذه المقالة

عرض عام

يعد السير لويس بيلي شخصية رئيسية في تاريخ الخليج، حيث كان يمثل، باعتباره المقيم السياسي، أهم مسؤول بريطاني في المنطقة منذ سنة ١٨٦٢ حتى سنة ١٨٧٣. وهو يتمتع بأهمية خاصة بالنسبة لدولة قطر نظرًا لإقراره بسيادتها المستقلة في ١٨٦٨.

يعد السير لويس بيلي شخصية رئيسية في تاريخ الخليج، حيث كان يمثل، باعتباره المقيم السياسي، أهم مسؤول بريطاني في المنطقة منذ سنة ١٨٦٢ حتى سنة ١٨٧٣. وهو يتمتع بأهمية خاصة بالنسبة لدولة قطر نظرًا لإقراره بسيادتها المستقلة - منفصلةً عن البحرين - في ١٨٦٨ إبان فترة مفاوضات الهدنة البحرية.

"الانتهاكات" على طول الساحل وتدخل بريطانيا

خلال الفترة ١٨٦٧-١٨٦٨، وقعت سلسلة من "الانتهاكات للهدنة البحرية" على الجانب العربي من الساحل الخليجي. واعتقد الإنجليز حينها أن تلك الاضطرابات مصدرها حاكم البحرين، محمد بن خليفة آل خليفة، ويدعمها عدد من الحكام الآخرين، بمن فيهم حكام أبو ظبي و"جطر" (قطر).

وقد تمثلت تلك الاضطرابات بصفة رئيسية في شن غارات على مدن وقرى قبائل أخرى، حيث تم الإبلاغ عن وقوع أعمال سلب ونهب. إذا كان تأثير تلك الغارات قد اقتصر على القبائل العربية فحسب، لكان من المستبعد أن تتدخل الحكومة البريطانية. بل كان من بين الأشخاص المستهدفين مواطنون بريطانيون وهنود بريطانيون. وكان هذا العامل سببًا منطقيًا لزيادة التدخل البريطاني في البلاد.

بريطانيا "لن تعاود التدخل"

من جانبها، كانت القبائل المعنية تعتقد أن البريطانيون لن يتدخلوا في شؤون الساحل العربي حيث إنهم كانوا مشغولين بقوة في أحداث مسقط لعدة سنوات قبل ذلك، بما لا يدع لهم مجالاً للتدخل العسكري في موقع آخر، سواء برًا أو بحرًا. عقب وصوله إلى الساحل القطري، قد روى بيلي ذلك، قائلاً: "صعد الزعماء على متن السفينة وأقروا بما ارتكبوه من انتهاكات للهدنة البحرية، إلا أنهم أكدوا على اعتقادهم بأن الحكومة البريطانية لن تعاود التدخل، وقد أعربوا عن غضبهم الشديد تجاه أعمال السلب والنهب أو التدمير لممتلكاتهم ولمدنهم التي قام بها زعماء البحرين." 

بيان يسجل اعتقاد محمد بن ثاني - وحكام آخرين - بأن الحكومة البريطانية لن تتدخل في أعمالهم الأخيرة. Mss Eur F126/40، ص. ٣١
بيان يسجل اعتقاد محمد بن ثاني - وحكام آخرين - بأن الحكومة البريطانية لن تتدخل في أعمالهم الأخيرة. Mss Eur F126/40، ص. ٣١

باتت تلك الاضطرابات أكثر حدة حينما شرع حاكم البحرين في توجيه قبيلته لشن غارات سلب ونهب على مدن وممتلكات حلفائه، وهو ما أدى في النهاية إلى إلقاء القبض عليه وسقوطه. كان واضحاً في هذه المرحلة أن الأمر لم يقتصر على ولاء حكام قطر وأبو ظبي ماليًا لآل خليفة، بل أن استعدادهم لمساندته كان يعود جزئيًا لخوفهم منه. ولقد وصفوا أنفسهم بأنهم قد "سَئِموا من جراء الاستبداد والابتزاز والتصرفات الشاذة الصادرة عن الحاكم."

دبلوماسية سفن المدفعية

تمثلت الطريقة البريطانية المعتادة للتعامل مع مثل تلك المواقف في المطالبة بتعويض البريطانيين المضارين وتحقيق مطالبهم عن طريق التهديد باستخدام القوة. في حالة هذه الدبلوماسية الصريحة، هدد بيلي باستخدام سفن المدفعية التي أرسلها إليه حاكم بومباي ضد الحكام إذا لم يحققوا مطالبه.

ومع ذلك، تجاهل الحكام تحذيرات بيلي. وسعيًا للانتقام، قام بيلي بقصف عدة حصون في كل من البحرين وقطر وأبو ظبي وهدد باستخدام المزيد من القوة. حينئذ وافق حكام قطر وأبو ظبي على التفاوض مع البريطانيين. وهكذا وافقوا على التوصل إلى حل سلمي شريطة أن تقوم بريطانيا بحمايتهم من آل خليفة. وسرعان ما تم إلقاء القبض على آل خليفة ومسانديه الرئيسيين وأوضحت الحكومة البريطانية أنها على استعداد لمؤازرة حكم أخيه، علي بن خليفة آل خليفة.

حاكم "قبائل جطر" يوقع على الإعلان

أصر بيلي على إعادة توقيع وتأكيد إعلان الهدنة البحرية الذي سبق ووقعه حكام العرب، بدءًا من حكام البحرين وأبو ظبي. ومما يثير الانتباه، أنه أصر كذلك على أن يقوم محمد بن ثاني، حاكم "قبائل جطر" بالتوقيع على الإعلان للالتزام بالهدنة البحرية. و في واقع الأمر، يعد ذلك الإعلان أول اعتراف بقطر كسيادة مستقلة.

الإعلانات الصادرة عن محمد بن ثاني إلى المقدم لويس بيلي، متضمنة التزام قبيلته بالهدنة البحرية. Mss Eur F126/40، ص. ٣٣ظ
الإعلانات الصادرة عن محمد بن ثاني إلى المقدم لويس بيلي، متضمنة التزام قبيلته بالهدنة البحرية. Mss Eur F126/40، ص. ٣٣ظ

دعاوى متنافسة بخصوص الأرض

قبل ذلك، كانت قبائل قطر تعتبر تابعة إلى دولة البحرين. أثبتت تلك المعاهدة المستقلة أهميتها على صعيد سيادة قطر، ليس فقط بالنسبة لحكام قطر والبحرين، بل كذلك بالنسبة إلى الأطراف الرئيسية الأخرى في الخليج. فعلى سبيل المثال كان العثمانيون والفارسيون يعتقدون أن لديهم مطالبات مشروعة بشأن تلك الأراضي.

في نهاية الأمر أصبحت تلك المعاهدة بمثابة نقطة البداية لاعتراف الحكومة البريطانية بقطر كدولة مستقلة ذات سيادة. ومع ذلك، لم تكن النوايا البريطانية واضحاً للغاية. فعقب مرور خمس سنوات على هذا الحدث، كانت الحكومة البريطانية لا تزال تجادل حول ما إذا كان التوقيع على المعاهدة يدل على الاعتراف بقطر ككيان مستقل. في واقع الأمر، وبما أن المستندات المرتبطة بهذا الجدال تتناول مطالبات الفارسيين والعثمانيين بشأن قطر وكيف يجب التعامل معها، يمكن الاستخلاص أن اعتراف بريطانيا بسيادة قطر لم يكن اعترافاً قطعيًا، بل يمكن حتى اعتباره اعترافاً غير متعمد.