من لندن إلى البصرة في اثنين وعشرين يومأً

اقتبس هذه المقالة

عرض عام

في عهد ما قبل الإنترنت حيث كانت الأخبار تتنقل ببطئ، كيف وصلت رسالة من لندن إلى البصرة في ٢٢ يوماً؟

في ٢٠ يونيو ١٨١٤، أعاد مساعد المقيمية مكتب تابع لشركة الهند الشرقية، ومن ثمّ للراج الهندي، أُسِّس في الأقاليم والمناطق التي كانت تُعتبر جزءًا من الهند البريطانية أو ضمن نطاق نفوذها. البريطانية توجيه رسالة مُستلمة من لندن على وجه السرعة إلى بوشهر ثم إلى بومباي في الهند.

اشتملت هذه الرسالة على معلومات مهمة مثل أخبار تنازل نابليون واستعادة الفرنسيين لبوربون وإعادة إرساء السلام في أوروبا - موقَعة في ٣٠ مايو ١٨١٤ والمعروفة باسم "معاهدة باريس".

خطاب من جيديون كولكوهون المساعد المسؤول بالبصرة إلى الملازم الأول وليام بروس، المقيم السياسي في بوشهر يوم ٢٠ يونيو ١٨١٤. IOR/R/15/1/15 ص ٦٠ظ، ٦٢
خطاب من جيديون كولكوهون المساعد المسؤول بالبصرة إلى الملازم الأول وليام بروس، المقيم السياسي في بوشهر يوم ٢٠ يونيو ١٨١٤. IOR/R/15/1/15 ص ٦٠ظ، ٦٢

استغرقت هذه الرسالة اثنين وعشرين يوماً لإجتياز حوالي ٦٠٠٠ كم من لندن إلى البصرة، مما كان إنجازاً مدهشاً في ١٨١٤ حيث تم نقل البريد عن طريق الأحصنة والعربات والمراكب. كيف وصلت الرسالة إلى هناك بهذه السرعة؟

كانت هناك ثلاث طرق رئيسية لنقل هذه الرسالة، وكانت جميعها جزءاً من الممر الطويل الممتد بين لندن وبومباي.

"الطريق البحري"

في البداية، كان يتم نقل البريد على متن سفن شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا من لندن إلى بومباي عبر "الطريق البحري" من خلال طريق رأس الرجاء الصالح والذي كان أطول وآمن رحلة، وكانت سفن شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا تبحر من موانئ على القنال مثل داونز في كينت أو بورتسموث وتفادي الإبحار في مياه الخليج نظراً لخطرها. وتشير المراجع المعاصرة إلى أن متوسط الرحلة كان يستغرق مائة وسبعة عشر يوماً.

بقيت شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا محتكرة لهذا الطريق حتى ١٨١٣، حاملة الخطابات والرسائل الخاصة وكذلك بريد "الشركة". وبعد ١٨١٤، تم إستخدام سفن التجار لنقل البريد، ولكن لبضع سنوات فقط. بالتأكيد لا يمكن أن يكون هذا هو الطريق الذي سلكته رسالتنا، لأن هذا الطريق لم يكن يمر في الحقيقة بالبصرة وكان في جميع الأحوال يستغرق وقتاً أطول من اثنين وعشرين يومٍ.

الطريق السريع المستحيل

كان الطريق الثاني هو الأسرع، حيث تم نقل الرسالة من لندن إلى باريس ثم براً إلى مرسيليا (أو برينديزي - ميناء بجنوب شرق إيطاليا) ثم بالمركب إلى مصر ومن هناك براً إلى البصرة.

الجزء الأول من هذا الطريق - براً عبر فرنسا - كان يعتمد على العلاقات الدبلوماسية بين كلتا القوتين، ولهذا فلم يكن مسلوكاً إبان الحروب النابليونية (١٨٠٣ - ١٨١٥) عندما كانت إنجلترا في حالة حرب مع فرنسا، ومن ثم فلم يكن من المرجح أن يكون هذا هو الطريق الذي تسلكه الرسائل في ١٨١٤.

خدمة فالماوث البريدية

اعتمد الخيار الثالث والذي كان الأسرع بالتأكيد في ١٨١٤ على خدمة سفن البريد وهو نظام للبريد تم تأسيسه في فالماوث على الساحل الجنوبي الغربي لإنجلترا.

السفينة الملكية البريطانية باندورا، خدمة بريد فالماوث، ١٨٤٣. بإذن من المتحف البحري الوطني، غرينتش، لندن (متاحة تحت شروط رخصة المشاع الإبداعي: النسبة-غيرالتجاري-الترخيص بالمثل).
السفينة الملكية البريطانية باندورا، خدمة بريد فالماوث، ١٨٤٣. بإذن من المتحف البحري الوطني، غرينتش، لندن (متاحة تحت شروط رخصة المشاع الإبداعي: النسبة-غيرالتجاري-الترخيص بالمثل).

كانت السفن المبحرة من فالماوث هي نفسها تُعرف باسم "سفن البريد" وكانت ضرورية للحفاظ على الاتصال بين بريطانيا ومستعمراتها وبخاصة في جزر الهند الغربية. أما الحفاظ على الروابط التجارية للمصالح الخارجية فقد كان ذا أهمية خاصة في أوقات الحرب. ونتيجة لذلك، مُدت خدمة سفن البريد لتصل البحر المتوسط عند الضرورة مع تحاشي فرنسا تماماً والتعويل على العلاقات الطيبة بين بريطانيا والبرتغال وإسبانيا.

في العقدين الأولين من القرن التاسع عشر مع تعثر الاتصال البري عبر فرنسا بسبب الحروب النابليونية، كانت هناك سفن تبحر من فالماوث إلى البحر المتوسط في الثلاثاء الثالث من كل شهر. كانت المحطة الأولى من الطريق تبدأ من فالماوث إلى لشبونة. وكانت أسرع رحلة مسجلة في ذلك العام في مايو ١٨١٤، عندما استغرقت السفينة البريدية السير فرانسيز فريلينج ستة أيام فقط لتصل إلى لشبونة من فالماوث، ربما تكون رسالتنا قد جاءت على هذه السفينة تحديداً؟

هجمات متكررة

كانت السرعة ضرورية لسهولة تدفق الاتصالات، ولكنها لم تكن سهلة في جميع الأحيان. كانت سفن البريد صغيرة وخفيفة التسليح وكانت عرضة للهجمات المتكررة من القراصنة والسفن المسلحة. حاولت هذه السفن تجنب المواجهات القتالية ولكنهن كان يسمح لهن الرد على إطلاق النار في ظل الهجوم، وذلك طبقاً لجون بيك في كتابه "عن تاريخ خدمة بريد فالماوث ١٦٨٩- ١٨٥٠، ٢٠٠٩".

الراية الشارة البيضاء. بإذن من المتحف البحري الوطني، غرينتش، لندن (متاحة تحت شروط رخصة المشاع الإبداعي: النسبة-غيرالتجاري-الترخيص بالمثل).
الراية الشارة البيضاء. بإذن من المتحف البحري الوطني، غرينتش، لندن (متاحة تحت شروط رخصة المشاع الإبداعي: النسبة-غيرالتجاري-الترخيص بالمثل).

 إبان الحروب النابليونية، كان على أي سفينة بريد حال وصولها إلى الميناء إظهار "الراية البريطانية البيضاء" على صاري الدقل الرئيسي وراية إنجليزية عند المقدمة والعلم المميز للسفينة على القمة الأعلى للصاري الأمامي.

الرحلة الأمامية

ربما تكون الرسالة نُقلت من لشبونة إلى سفينة أخرى تبحر إلى مالطا ثم الاسكندرية. وكانت الرحلة من الاسكندرية إلى البصرة عبر البر. ثم تم شحن الرسالة من البصرة إلى بومباي عبر بوشهر لكي تنقل المقيمية مكتب تابع لشركة الهند الشرقية، ومن ثمّ للراج الهندي، أُسِّس في الأقاليم والمناطق التي كانت تُعتبر جزءًا من الهند البريطانية أو ضمن نطاق نفوذها. الأخبار عبر شبه القارة الهندية، وهكذا تم نقل الأخبار بسرعة كبيرة إلى أقصى أطراف الإمبراطورية البريطانية.

الاتصالات في عصر عالمي حديث: حول العالم في ثمانين يوماً!

إتسم عصر الحروب النابليونية ببداية الاتصالات العالمية، حيث زادت أهمية وضرورية نقل المعلومات والأخبار من شتى بقاع الإمبراطوريات للقوى الأوروبية الرئيسية.

إلى جانب هذه التغيرات الهامة، سوف تتغير أوقات السفر جذرياً في غضون بضعة عقود. فمن عشرينيات القرن الثامن عشر زاد استخدام المراكب البخارية وأصبحت السكك الحديدية مألوفة وشُقت قناة السويس. في الواقع كان الانشغال بالسفر السريع إنشغالاً شديداً لدرجة أن جولز فيرن في روايته الصادرة سنة ١٨٧٣ جعل بطلها الخيالي فيلياس فوج ينتقل ما بين لندن وبومباي عبر السويس في عشرين يوماً فقط!