مهمة الأمير فيصل الدبلوماسية وإحجام بريطانيا عن الاستثمار في النفط السعودي في ١٩٣٢

اقتبس هذه المقالة

عرض عام

بحْث ابن سعود عن الاعتراف بمملكته العربية وكيف أن مسؤولي الحكومة البريطانية أداروا ظهورهم لأكبر مكامن النفط الخام في العالم.

في ربيع ١٩٣٢، عشية توحيد الملك عبد العزيز آل سعود المعروف بابن سعود أراضيه العربية لتصير المملكة العربية السعودية، أرسل ابنه الأمير فيصل في صحبة أحد أهم مسؤوليه الأكثر ثقة - فؤاد بك حمزة - إلى رحلة دبلوماسية لأوروبا والشرق الأوسط.

كان شاغل ابن سعود الرئيسي هو كسب الاعتراف الدولي بمملكته التي قضى في توسيعها وتوحيدها ما يزيد عن عشرين عاماً. وأما هدفه الثاني فكان السعي وراء الدعم المالي من النظام البريطاني لكي يمول مشاريع متعددة من بينها البحث عن مكامن النفط في مملكته.

من التجمعات الفاشية في روما إلى مزرعة خيول عربية في سَري

زار الأمير فيصل خلال الرحلة الطويلة التي استغرقت أربعة أشهر كلًا من نابولي وروما وتورين وجينيف وباريس ولندن ولاهاي وموسكو ووارسو وأوديسا والقسطنطينية (إسطنبول) وأنقرة وطهران وبغداد والبصرة والكويت. وطوال الرحلة عقد فيصل محادثات على أعلى المستويات مع مسؤولين حكوميين وتبادل الدعابات والهدايا مع رؤساء الدول.

خطاب من السفارة البريطانية في روما، ٢٣ أبريل ١٩٣٢. IOR/R/15/1/602، ص. ١١
خطاب من السفارة البريطانية في روما، ٢٣ أبريل ١٩٣٢. IOR/R/15/1/602، ص. ١١

تُقدم أوراق سرية من سجلات مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. رؤية كاشفة عن المشاهد التي رآها الأمير في رحلته: تجمع فاشي في روما، ومصنع محركات سيارات فيات في تورين، تدريبات عسكرية في باريس، ومزرعة خيول عربية بالقرب من دوركينج في سَري، ورحلة في طائرة من مطار سلاح الجو الملكي هندن في ميدلسيكس، والمشاركة في جنازة الرئيس الفرنسي الراحل بول دومير الذي كان الأمير قد التقى به قبيل أيام من وفاته؛ ومشاركته هذه كانت جزءًا من رحلته الأصلية لم يتم التخطيط له.

كسب الاعتراف

بينما حلق الأمير فيصل في أجواء لندن وزار معسكرات الجيش في موسكو، كانت مهمة فؤاد بك حمزة هي مناقشة النقاط الدبلوماسية الدقيقة في سلسلة اجتماعات عُقدت مع مسؤولي الحكومات في كل دولة شملتها الرحلة. كانت مهمة حمزة الأساسية هي كسب الاعتراف الرسمي بمملكة ابن سعود في الحجاز-نجد (التي كانت بمثابة تمهيدًا لقيام المملكة العربية السعودية) على الصعيد الدولي.

في بريطانيا - وهي أصلاً حليف مهم للمملكة العربية السعودية - ركزت المحادثات الدبلوماسية في الأساس على طلب ابن سعود الرسمي للحصول على الدعم المالي من الحكومة البريطانية للاستفادة به في التنمية الاقتصادية لمملكته بما في ذلك تمويل استكشاف مكامن النفط.

سجل بالاجتماع الثالث مع وفد الحجاز-نجد المنعقد بوزارة الخارجية في ١٣ مايو ١٩٣٢, في تمام الساعة ١١:٣٠ صباحًا IOR/R/15/1/602، ص. ٢٠
سجل بالاجتماع الثالث مع وفد الحجاز-نجد المنعقد بوزارة الخارجية في ١٣ مايو ١٩٣٢, في تمام الساعة ١١:٣٠ صباحًا IOR/R/15/1/602، ص. ٢٠

الإحجام البريطاني عن "إهدار المال" في دولة غير معروفة جيدًا

توثق المحاضر الرسمية من الاجتماعات المنعقدة بين المسؤولين البريطانيين والسعوديين رفض بريطانيا تقديم المساعدة المالية للسعوديين في مجال استكشاف النفط. صرح فؤاد أن معه تقرير يقيّم الموارد المعدنية في الحجاز والأحساء أعده مهندس التعدين الأمريكي كارل تويتشيل. ومع ذلك، فأنه أصّرأنه يفضل التعامل مع البريطانيين ويرحب بمساعدة شركات النفط البريطانية في بلاده.

ولكن أوصد كبير المسؤولين البريطانيين - السير لانسلوت أوليفانت - الباب في وجه هذه الدعوة أثناء المحادثات وأصرح أن الوقت الراهن "لا يشجع أبداً على القيام بأي مغامرات مالية". وأسهب أوليفانت قائلًا إن "الشركات البريطانية قد تتردد في قبول تقرير لم يعده خبير بريطاني" وتشكك في استعداد الشركات البريطانية "لإهدار المال في دولة غير معروفة جيدًا في الوقت الحاضر".

: اقتباس من سجل الاجتماع الثاني مع وفد الحجاز-نجد المنعقد بوزارة الخارجية في ٩ مايو ١٩٣٢، في تمام الساعة ٤ مساءً. IOR/R/15/1/602، ص. ١٩
: اقتباس من سجل الاجتماع الثاني مع وفد الحجاز-نجد المنعقد بوزارة الخارجية في ٩ مايو ١٩٣٢، في تمام الساعة ٤ مساءً. IOR/R/15/1/602، ص. ١٩

ربما أملى الترفع الظاهر من جانب أوليفانت عن التوقعات النفطية في مملكة الحجاز-نجد في مايو ١٩٣٢الأحداث التاريخية اللاحقة. ففي مايو ١٩٣٣، ربحت الشركة الأمريكية ستاندارد أويل أوف كاليفورنيا (أرامكو فيما بعد) امتياز التنقيب عن النفط في الأحساء بالمملكة العربية السعودية على نفقة شركة بترول العراق الكائنة في لندن.

في سنة ١٩٣٨، اكتشفت ستاندارد أويل أوف كاليفورنيا النفط في الأحساء، وكانت تلك بمثابة الخطوة الأولى فيما أصبح بعد ذلك أكبر مكامن النفط الخام في العالم. وبغض النظر عن أفكار ابن سعود حول نجاح رحلة ابنه الدبلوماسية في سنة ١٩٣٢، فإن هذه الزيارة بالنسبة للحكومة البريطانية هي زيارة ودَّ المسؤولون على الأرجح نسيانها.