"المعاملة المشينة" للملازم دومينيتشيتي: قصف المخا سنة ١٨٢٠

اقتبس هذه المقالة

عرض عام

لعل أبرز الأحداث التي وقعت أثناء التاريخ العاصف للمقيمية البريطانية في المخا هو قصف هذه المدينة في ديسمبر ١٨٢٠. جاء ذلك على إثر ادعاءات من المسؤولين البريطانيين والقادة العرب بسوء تصرف مريع من كلا الطرفين.

توفي المقيم البريطاني في المخا، ديفيد رامزي، في ١٦ يوليو ١٨١٧. وقبل ذلك بفترة وجيزة، كلَّف سفينة تحمل اسم "داريا بيجي" بنقل القهوة إلى الهند لصالح شركة الهند الشرقية، على أساس أنها ستغادر في ١٩ أو ٢٠ يوليو. وعند وفاته، تولى شؤون الشركة الضابط البريطاني الأعلى رتبة في الميناء، وكان هذا الملازم بارثولوميو دومينيتشيتي، قائد السفينة الحربية "برينس أوف ويلز".

الصدام الأول

هناك روايات مختلفة عن الأحداث التي تلت ذلك. تأخرت السفينة "داريا بيجي" بعد أن وعدت بالإبحار، حيث كانت تنوي تحميل المزيد من البضائع، بما في ذلك الخزينة. لتسريع المغادرة، حاول دومينيتشيتي منع أي تحميل إضافي للبضائع.

ولتحقيق هذه الغاية، وضع خمسة جنود على متن السفينة. وبحسب قول الطاقم فقد تم ذلك بالقوة، أما دومينيتشيتي فيذكر أن ذلك تم بسلام. تبلّغ الرواية البريطانية عن خمسين إلى ستين رجلاً مسلحًا استخدموا القوة لتحميل الخزينة على متن السفينة، وهددوا الضابط البحري بإلقائه في البحر، وجمعوا بعض الجنود الآخرين في قارب وأعادوهم إلى الشاطئ، وقاموا بتجهيز السفينة بأكملها للحرب. إن كان ذلك صحيحًا، فإن تلك التصرفات هي حقًا عدوانية وعدائية على نحو خاص. نفى طاقم "داريا بيجي" القيام بأية أعمال عنف، بالرغم من أن هيو رامزي، ابن المقيم الراحل، أخبر عن التهديدات للضابط البحري واستخدام دومينيتشيتي للقوة.

في اليوم التالي، تحول التوتر إلى صراع مفتوح بين الشركة والحاكم، أو دولة المخا، أمير فتح محمد. تدّعي رواية دومينيتشيتي أنه طلب عدة مرات حضور النوخذة، لكنه لم يحضر، وأنه عندما زاره رجلان من "داريا بيجي"، فإن أحدهما أهانه وألقى بحذائه عليه. أمر دومينيتشيتي باعتقاله إلى أن يصل النوخذة، إلا أنه أطلق سراحه بعد طلبات متكررة من أمير فتح.

يدوّن دومينيتشيتي أنه ما إن غادر البحاران الوكالة، حتى قام ما بين ٣٠٠ و٤٠٠ من جنود الحاكم بسحب حراس غير مسلحين خارج الوكالة إما (١) مركز تجاري تابع لشركة الهند الشرقية؛ أو (٢) مكتب تابع لشركة الهند الشرقية ولاحقًا للراج البريطاني. وأبرحوهم ضربًا في الشارع. كان دومينيتشيتي طريح الفراش وقد ألمت به الحمى، إلا أنه ادّعى لاحقًا أنه صدّ عدة ضربات سيوف باستخدام الوسادة، قبل أن يُضرب ويُجرّ إلى منزل الحاكم. حيث زُعم أنه أُهين هناك وبُصق عليه، ومن ثم تمَّ تقييده بالأغلال. وعلى حد قوله، فإن الوكالة إما (١) مركز تجاري تابع لشركة الهند الشرقية؛ أو (٢) مكتب تابع لشركة الهند الشرقية ولاحقًا للراج البريطاني. نُهبت وأُعيث بها فسادًا.

مقتطف من تقرير دومينيتشيتي عن محنته، بما في ذلك جرّه "شبه عارٍ تقريبًا من دون قبعة" إلى منزل الحاكم. IOR/F/4/690/18908، ص. ٤٦و
مقتطف من تقرير دومينيتشيتي عن محنته، بما في ذلك جرّه "شبه عارٍ تقريبًا من دون قبعة" إلى منزل الحاكم. IOR/F/4/690/18908، ص. ٤٦و

ذُهلت السلطات البريطانية في الهند من تقرير دومينيتشيتي، لكن ما أثار غضبهم على وجه الخصوص هو الإهانة التي تعرضت لها الشركة. بيد أنه كانت تساورهم الشكوك أيضًا ذلك أن أخبار الحادثة لم تصلهم من قبل أشخاص آخرين كانوا متواجدين في المخا في ذلك الوقت، وكانوا قد وصلوا إلى الهند قبل رسالة دومينيتشيتي.

بالإضافة إلى ذلك، فقد روى حاكم المخا قصة مختلفة عن ذلك بعض الشيء. حيث قال إنه لم يُلجأ إلى العنف ضد دومينيتشيتي، وأن الملازم اعترف بأنه أخطأ بالتدخل في اعتراض "داريا بيجي". كذلك أدرج اعتداءات دومينيتشيتي، بما في ذلك إنزال الجنود، ونشر حراس على بوابة الوكالة، وإجراء مناورات عسكرية. وفي حين أنه سلّم بأنه هناك بعض الجنود الذين أُرسلوا إلى الوكالة إما (١) مركز تجاري تابع لشركة الهند الشرقية؛ أو (٢) مكتب تابع لشركة الهند الشرقية ولاحقًا للراج البريطاني. قد أساؤوا فهم الأوامر التي صدرت لهم وأخذوا معهم بعض المواد، إلا أنه جزم بأنه تمت إعادة كل شيء ومعاقبة المسؤولين.

أقر وكيل ربان السفينة "داريا ببجي" بأن هناك بعض من رجال البلدة ممن ذهبوا إلى الوكالة إما (١) مركز تجاري تابع لشركة الهند الشرقية؛ أو (٢) مكتب تابع لشركة الهند الشرقية ولاحقًا للراج البريطاني. لاعتقال الجنود الإنجليز وسلبوا بعض الممتلكات. كذلك أكد بأن دومينيتشيتي أخبر الحاكم بالاضطرابات الكبيرة التي تسبب بها الجنود. إلا أنه أنكر الإهانات والعنف ضد الملازم.

تحليل من بومباي

لقد حدا تقصي الحالة بحكومة بومباي إلى الاستفسار بشكل أوفى عن ملكية السفينة "داريا بيجي". فإذا كان مالكها من الرعايا الهنود البريطانيين، فإن حكومة بومباي حوالي ١٦٦٨-١٨٥٨: إدارة شركة الهند الشرقية في مدينة بومباي [مومباي] وغرب الهند. ١٨٥٨-١٩٤٧: تقسيم فرعي تحت حكم الراج البريطاني، كان معنيًا بالعلاقات البريطانية مع الخليج والبحر الأحمر. تعتقد أن سلوك دومينيتشيتي نحوها يمكن تبريره جزئًيا، إلا أن ذلك سيصبح أكثر صعوبة إذا ما أبحرت كسفينة عربية.

لسوء الحظ، لم تكن القضية واضحة. فالسفينة "داريا بيجي" كان يملكها شخص بريطاني هندي، يدعى محمد علي خان، الذي قال بأنه باعها للسيد عبد الرحمن، مما يجعلها سفينة ترفع علمًا عربيًا. إلا أن محمد علي خان لم يستلم سوى ثُلثَي المبلغ، ولم يتمكن من إثبات عملية البيع، التي اعتقد المحققون أنها مريبة. حدا بهم ذلك لتصديق دومينيتشيتي، الذي قال إن محمد علي خان لم يَردْ في الوصف إلا كمالك للحصول على إجازات مرور بريطانية، بينما كانت السفينة في واقع الأمر ملكية الأخوين اليمنيين عقيل. ورغم شكوكهم حول شرعية إبحار السفينة "داريا بيجي" بعَلم عربي بينما هي مملوكة جزئيًا (على الأقل اسميًا) من قبل أحد الرعايا البريطانيين الهنود، وصلت السفينة "داريا بيجي" إلى المخا كسفينة بأعلام عربية. خلُصت حكومة بومباي حوالي ١٦٦٨-١٨٥٨: إدارة شركة الهند الشرقية في مدينة بومباي [مومباي] وغرب الهند. ١٨٥٨-١٩٤٧: تقسيم فرعي تحت حكم الراج البريطاني، كان معنيًا بالعلاقات البريطانية مع الخليج والبحر الأحمر. إلى أنه كان على دومينيشيتي أن يلاحظ ذلك وأن يتصرف بناءً على ذلك.

"مشهد من الوكالة في المخا"، بريشة هنري سولت. من جورج أنيسلي، "رحلات وأسفار إلى الهند وسيلان والبحر الأحمر والحبشة ومصر. ١٨٠٢، ١٨٠٣، ١٨٠٤، ١٨٠٥، ١٨٠٦" (لندن: ويليام ميلر، ١٨٠٩). ملكية عامة
"مشهد من الوكالة في المخا"، بريشة هنري سولت. من جورج أنيسلي، "رحلات وأسفار إلى الهند وسيلان والبحر الأحمر والحبشة ومصر. ١٨٠٢، ١٨٠٣، ١٨٠٤، ١٨٠٥، ١٨٠٦" (لندن: ويليام ميلر، ١٨٠٩). ملكية عامة

لقد صدّقوا إلى حد كبير بقية قصة دومينيتشيتي، بالرغم من أنهم اعترفوا أنه لم يتصرف بحكمة في اعتقال عضو الطاقم غير المسمى في الوكالة إما (١) مركز تجاري تابع لشركة الهند الشرقية؛ أو (٢) مكتب تابع لشركة الهند الشرقية ولاحقًا للراج البريطاني. . غير أنهم اعتقدوا أنه "يبدو وأن الاستفزاز كان أكبر من أن يُحتمل من قبل رجال ذوي طبع حاد (وفي عِدَادهم […] يمكن إدراج الملازم دومينيتشيتي)" (IOR/F/4/690/18908، ص. ١٨٤ظ). ولتهدئة البريطانيين، استبدلَ إمامُ صنعاء أمير فتح محمد بفقيه حسن الأكوع كحاكم.

القصف

عادت المسألة إلى الظهور في أغسطس ١٨١٩، عندما قدّم القبطان ميلارد قائد سفينة "أورورا"، عدة شكاوى إلى حكومة بومباي حوالي ١٦٦٨-١٨٥٨: إدارة شركة الهند الشرقية في مدينة بومباي [مومباي] وغرب الهند. ١٨٥٨-١٩٤٧: تقسيم فرعي تحت حكم الراج البريطاني، كان معنيًا بالعلاقات البريطانية مع الخليج والبحر الأحمر. . حيث ادعى بأن الحاكم سجنَ وسيط غالبًا هو وكيل تجاري محلي في الخليج يقوم بشكل منتظم بجمع المعلومات الاستخبارية وبمهام التمثيل السياسي. يُشار إليه أحيانًا بـ "وكيل الحكومة" أو "الوكيل المحلي". الشركة وابتز أموالًا منه، وأنه نبش ونكّل بجثتَي المقيم السابق وطبيبه الجراح. كذلك ادعى بأن البلدة وافقت على استقبال فارِّين من السفن البريطانية اعتنقوا الإسلام، بالرغم من اتفاقية من سنة ١٨١٠ تنصّ على عدم السماح بذلك.

ندمت حكومة بومباي حوالي ١٦٦٨-١٨٥٨: إدارة شركة الهند الشرقية في مدينة بومباي [مومباي] وغرب الهند. ١٨٥٨-١٩٤٧: تقسيم فرعي تحت حكم الراج البريطاني، كان معنيًا بالعلاقات البريطانية مع الخليج والبحر الأحمر. لأنها لم تتصرف بشكل حاسم وفي وقت مبكر. أرسلوا النقيب ويليام بروس إلى المخا للحصول على اعتذار من أمير فتح محمد، بالإضافة إلى استعادة بضائع الذين ادّعوا بأنها كانت لا تزال مفقودة من الوكالة إما (١) مركز تجاري تابع لشركة الهند الشرقية؛ أو (٢) مكتب تابع لشركة الهند الشرقية ولاحقًا للراج البريطاني. . بعد أن رفض إمام صنعاء التفاوض، أعلن بروس أن المخا ستوضع تحت الحصار.

"مشهد للمخا، الجزيرة العربية" من روبرت براون، "بلدان العالم" (لندن: كاسل وشركاه، ١٨٨٤-١٨٨٩). ملكية عامة
"مشهد للمخا، الجزيرة العربية" من روبرت براون، "بلدان العالم" (لندن: كاسل وشركاه، ١٨٨٤-١٨٨٩). ملكية عامة

وصلت بقية الأسطول في ٣ ديسمبر ١٨٢٠، وشن هجومًا فاشلاً على الحصن الشمالي للمخا. بعد وقْف قصير لإطلاق النار، قصفت السفن البريطانية البلدة، وفي اليوم التالي تم الاتفاق على هدنة لمدة أربعة عشر يومًا، وذلك لإفساح المجال للحاكم لإرسال رسالة إلى إمام صنعاء.

وبعد مضي عشرين يومًا من دون أي رد من الإمام، هاجم البريطانيون الحصن الشمالي من جديد، واستولوا عليه في ذلك الصباح بالذات. وفي ذلك المساء، وصل أمير فتح الله المهدي، الحاكم المعيَّن حديثًا في المخا، من صنعاء مع أمير فتح محمد، وقال بأنه كان جاهزًا للامتثال لطلبات بروس.

بناءً على ذلك، أرسل بروس رسائل يطلب فيها إثباتًا بأن الإمام قد منح أمير فتح الله صلاحيات بالتفاوض. وعند عدم استلامه لأي رد، هدد بروس بقصف الحصن الجنوبي، الذي كان قد تقدم نحوه. وعند عودته إلى الهند لم يزره أمير فتح الله ولم يوافق على هدنة بروس المقترحة إلا بعد أن اقترح إبقاء المخا تحت الحصار. ولم تحم هذه الاتفاقية حقوق الرعايا البريطانيين وتعزز مكانة المقيم فحسب، بل خفّضت كذلك من رسوم التصدير على التجارة البريطانية من المخا. كانت النتيجة مشابهة لحادثة وقعت قبل مئة عام قصف فيها الفرنسيون المخا أيضًا لتخفيض رسوم التصدير المفروضة على بضائعهم هناك.

رأى بروس فقيه حسن الأكوع وهو معتقل ومهان، وسمع اعتذار أمير فتح محمد، قبل دعوة أمير فتح الله إلى العشاء على متن السفينة "توباز". وبعد قضاء أمسية أنيسة على أنغام الموسيقى تَخلّلها تقديم الهدايا، عُيّن مقيم جديد قائم بالأعمال ممثل أو مندوب للحكومة في بلد أجنبي. قد يتم تعيين قائم بالأعمال في حال لم يكن لدى الحكومة سفير في ذلك البلد، أو أثناء غياب السفير. وخُصّص له منزل كبير ليكون مقر المقيمية، واستمرت التجارة في المخا.