عرض عام

في حوالي سنة ١٥٠ ميلادية، كتب كلاوديوس بطليموس دليله العظيم في علم الفلك، وهو ما عُرِفَ فيما بعد باسم المجسطي، وأصبح الدليل الأكثر انتشارًا لمعرفة النجوم في أوروبا لمدة ١٥٠٠ سنة تقريبًا. ولقد وصل النص إلى الأوروبيين عبر الترجمات العربية في القرن التاسع الميلادي، وتُرجِمَ إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر.

من بين الأعمال العلمية الإغريقية العديدة التي تُرجمت إلى العربية في الشرق الأدنى من أواخر القرن الثامن وحتى القرن العاشر ميلاديًا، كانت هناك بالطبع أعمال تتعلق بعلم الفلك والتنجيم، ومنها هذا الكتاب الهام في علم الفلك الذي اشتهر منذ العصور الوسطى باسم المجسطي وهو من تأليف كلاوديوس بطليموس عالم الفلك والرياضيات اليوناني وقد كتبه حوالي سنة ١٥٠ ميلاديًا في الإسكندرية، مصر.

دراسة أصل كلمة العنوان

في اللغة اليونانية الأصلية، كان عنوان العمل Mathematiké Sýntaxis ("التكوين الرياضي") وإلى جانب ذلك، وُجِدَت أيضًا  مخطوطات حمل فيها النص عنوان Megále Sýntaxis ("التكوين الكبير"). ويشير اسم المجسطي الذي يعود للقرون الوسطى إلى وجود شكل أقل انتشارًا للعنوان استخدم صيغة التفضيل "Megíste Sýntaxis" أو "التكوين الأكبر".

تشير الأسباب اللغوية والتاريخية إلى حقيقة أن العرب تعرفوا على اسم الكاتب، بطليموس، وعنوان العمل في صيغة التفضيل، المجسطي، قبل أن يبدأوا في دراسة وترجمة النص اليوناني. وبعبارة أخرى، فقد تعرفوا على الاسم من التواصل مع عناصر المعرفة الفارسية-الوسطية (البهلوية) التي دامت إلى القرون الأولى من توسع العالم العربي الإسلامي في الشرق الأدنى والشرق الأوسط. من الواضح أن كل من الأسماء العربية لبطليموس نفسه ودليله الفلكي العظيم المجسطي قد اشتُقّت من الأشكال الفارسية-الوسطية (البهلوية). ولو كانت هذه الأسماء قد استُمدَّت بشكل مباشر من اللغة اليونانية (وليس من اللغة الفارسية-الوسطية كما هو الحال) لكان سينتج عن ذلك نطق وهجاء عربي مختلف.

الترجمات العربية لكتاب المجسطي

توجد دراسة قصيرة وواضحة للترجمات العربية لكتاب المجسطي في عمل أبو الفتوح أحمد بن محمد بن الصلاح (توفي في دمشق في ١١٥٤ميلادية) حول الأخطاء والأغلاط في نقل فهرس النجوم. استند ذلك العمل النقدي إلى مخطوطات أصلية كانت لا تزال متوفرة في زمن ابن الصلاح واستخدم خمس ترجمات لكتاب المجسطي، جميعها مُترجَمة من النص اليوناني الأصلي. وكانت أولى تلك الترجمات هي الترجمة السريانية (مفقودة حاليًا)، أما الثانية فهي ترجمة عربية قديمة ترجع إلى سنة ٨٠٠ ميلادية تقريبًا (أيضًا مفقودة حاليًا)، والثالثة كانت الترجمة العربية للحجاج، والترجمة الرابعة فهي الترجمة العربية لإسحاق بن حنين، والخامسة نسخة من ترجمة إسحاق ابن حنين صححها ثابت بن قرة.

نسخة من ترجمة المجسطي للحجاج: بداية الكتاب الثاني. Add. MS 7474، ص. ٢٣ظ
نسخة من ترجمة المجسطي للحجاج: بداية الكتاب الثاني. Add. MS 7474، ص. ٢٣ظ

من بين هذه النسخ الخمس، فُقِدت ثلاث وهي النسخة السريانية (وكانت السريانية لغة سامية مختلفة عن العربية، وتحدث بها معظم المسيحيين في تلك الأوقات في الشرق الأدنى)، والنسخة العربية الأولى، ونسخة إسحاق بن حنين المُنفّذة لصالح أبو الصقر بن بلبل، وزير (٨٧٩-٨٩٠ ميلاديًا) الخليفة المعتمد (حكم من ٨٧٠-٩٨٢ ميلاديًا)، وهي ترجمة إسحاق الخالصة بدون تعديلات ثابت بن قرة. ولم نعرف بوجود تلك النسخ إلا من خلال الملاحظات الببليوغرافيّة والاقتباسات المختلفة فقط.

مع ذلك، فإن نسختين من النسخ الخمس لا تزالا موجودتين وقد تم استخدامهما مؤخرًا لإصدار طبعة حديثة من فهرس النجوم الموجود في الكتابين السابع والثامن من المجسطي. وتتمثل النسختان في ترجمة الحجاج بن يوسف بن مطر، والتي صدرت في ٢١٢ هجريًا/٨٢٧-٨٢٨ ميلاديًا بمساعدة سرجيوس بن إلياس اليوناني في بغداد، وترجمة إسحاق التي صححها ثابت بن قرة (توفي في ٩٠١ ميلادية). يوجد من نسخة الحجاج مخطوطتان، إحداهما كاملة. ومن نسخة إسحاق/ثابت عشر مخطوطات، منها ثلاث كاملة.

بداية فهرس النجوم من كتاب المجسطي لبطليموس. ونص الكتاب من نسخة إسحاق/ثابت، ولكن فهرس النجوم من نسخة الحجاج. Add. MS 7475، ص. ١٥ظ
بداية فهرس النجوم من كتاب المجسطي لبطليموس. ونص الكتاب من نسخة إسحاق/ثابت، ولكن فهرس النجوم من نسخة الحجاج. Add. MS 7475، ص. ١٥ظ

المترجمون والمقارنة بين النصوص

المترجمون الثلاثة المشار إليهم هنا، وهم الحجاج وإسحاق بن حنين وثابت بن قرة، معروفون جيدًا في تاريخ العلوم العربية الإسلامية. وإلى جانب كتاب المجسطي، فقد ترجموا أعمالًا علمية يونانية أخرى، بعضها تُرجم إلى السريانية قبل الترجمة إلى العربية والبقية تُرجمت مباشرة إلى العربية. ألّف إسحاق وثابت أيضًا أعمالًا منسوبة لهم في هذا المجال.

ولقد أظهرت المقارنة بين النصوص أن جيرارد الكريموني (توفي في ١١٨٧ ميلادية) – الذي ترجم كتاب المجسطي في طليطلة في الأندلس في النصف الثاني من القرن الثاني عشر من العربية إلى اللاتينية – اتبع نسخة الحجاج للكُتُب I-IX )من الأول إلى التاسع( واتبع نسخة إسحاق/ثابت للكُتُب X- XIII )من العاشر إلى الثالث عشر(، إلا أن فهرس النجوم، رغم أنه يقع في قسم الحجاج (في الكتابين السابع والثامن VII-VIII)، فقد تم تقديمه وفقًا لشكل نسخة إسحاق/ثابت. ويبدو أن اعتماد جيرارد كان على ما أتيح له من مخطوطات عربية مختلفة خلال الوقت الذي قضاه في طليطلة التي كانت ضمن الجزء المسيحي من إسبانيا في ذلك الوقت.