عرض عام
تعددت وتنوعت العلوم التي تم دراستها وممارستها في العالم الإسلامي خلال ما يطلق عليه بالعصر الذهبي (٧٥٠ - ١٢٥٨ تقريبًا) وما بعد تلك الفترة. متى وأين نشأت تلك العلوم؟ يعتمد التطوير والبحث العلمي، مثل كل المساعي العلمية، على عمل الباحثين السابقين.
يمكن ملاحظة التقدم العلمي في شكل عدد من التقاليد أو السلاسل، التي تمثل حلقاتها أعمال عالم أو مجموعة من العلماء. هذا مع العلم أن تلك الحلقات يرثها ويدرسها ويحللها ويناقشها العلماء الذين يشكلون الحلقات اللاحقة في السلسلة. تعددت ثقافات العالم الإسلامي في العصور الوسطى بشكل كبير، لذا فإنه ليس من المستغرب أن تنشأ سلاسل من العلوم التي تُدرس في تلك المجتمعات في الثقافة الفارسية والسريانية والهندية واليونانية، وكذلك في المجتمعات الناطقة بالعربية.
توسع الإسلام
مع توسع الإسلام خارج منطقة الجزيرة العربية في أوائل القرن السابع الميلادي سارع العرب إلى غزو وتوحيد الأراضي من مصر إلى الهند للمرة الأولى منذ عهد الإسكندر الأكبر (توفى عام ٣٢٣ قبل الميلاد)، حتى تجاوزوا في نهاية المطاف إمبراطورية الإسكندر لتشمل بقية شمال أفريقيا وإسبانيا.
وتم إزالة الحواجز التقليدية بين الشرق والغرب والحدود المتمثلة في نهري دجلة والفرات، القائمة بين الأراضي الرومانية أو البيزنطية والإمبراطورية الفارسية. فقد شكلت الأراضي القائمة على كلا الجانبين في ذلك الوقت وحدة سياسية يزدهر فيها التبادل الاقتصادي والثقافي.
امبراطورية متعددة اللغات
كانت الترجمة إلى اللغة العربية من الأمور التي لعبت دوراً أساسياً في تماسك هذه الإمبراطورية الجديدة وساعدت على أدائها لوظائفها بالشكل الصحيح. ففي الأراضي التي كانت تابعة للبيزنطيين (سوريا وفلسطين ومصر)، تُرجم الجهاز الإداري ( الديوان مجلس إداري أو هيئة حاكمة إمبراطورية أو إقليمية. ) المستخدم في ظل حكم الخلفاء الأمويين في دمشق من اليونانية إلى العربية في نهاية القرن السابع أو النصف الأول من القرن الثامن الميلادي. وفي نفس الوقت تقريبًا، نُفذت مشاريع مماثلة في الأراضي التي كانت تابعة للفرس (شرق الأناضول، إيران في الوقت الحاضر وآسيا الوسطى) حيث قدمت الترجمات من البهلوية (الفارسية الوسطى التي لا تكتب بالحروف العربية) إلى اللغة العربية.
الترجمات الأولى
قُدمت أيضًا ترجمات لكتب الأدب والتاريخ من اليونانية والبهلوية إلى العربية، وبما أن الأدب البهلوي تضمن ترجمات للأدب السنسكريتي، فقد تعرض القُرَاء العرب لهذه الكتابات أيضا. وهناك بعض الأدلة على أن أول الترجمات الأدبية (أي ترجمات الكتب بدلاً من الوثائق القانونية والإدارية) إلى اللغة العربية كانت بتكليف من الأمير الأموي خالد بن يزيد (توفي بعد ٧٠٤ م). كانت هذه الترجمات في الغالب لنصوص علمية يونانية، ولا سيما أبرزها كان في الكيمياء وعلم الفلك.
في نفس الوقت تقريبًا، قيل إن هناك نص طبي كبير، (كُنّاش) من كتاب اهرون والذي ترجم من السريانية إلى العربية. ولا يبدو أن نطاق الترجمة المنهجية من المؤلفات العلمية إلى اللغة العربية قد اتسع إلا بعد خمسين سنة تقريبًا وتحت حكم الدولة العباسية، التي اتخذت من بغداد عاصمة لها.
وبغض النظر عن الزمن الفعلي لبداية فترة الترجمة هذه، بنهاية القرن العاشر تقريبًا، كانت قد تُرجمت تقريبًا جميع النصوص العلمية والفلسفية اليونانية المتاحة آنذاك إلى اللغة العربية، بالإضافة إلى عدد كبير من النصوص السريانية والفارسية والسنسكريتية. واستمرت هذه الفترة في القرون اللاحقة.