عرض عام
يحظى اسم مير مهنا (المتوفى في ١٧٦٩) في إيران اليوم بشهرة بالغة لكونه من الأبطال الذين وقفوا في وجه الإمبريالية وانتصروا عليها؛ فقد ألحق الهزيمة بالهولنديين وأحرج البريطانيين كما رفض الانحناء لرغبات حكام إيران في ذلك الوقت. حتى أن إحدى الألعاب الحاسوبية سُمّيت باسمه.
كان مير مهنا يمثل في أيامه مصدر قلق كبير لجميع التجار في الخليج العربي وكانت أعماله من الأسباب المبكرة التي أدّت، بخلاف الشواغل التجارية البحتة، إلى تورط شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا في سياسات المنطقة. وتلقي المراسلات المبكرة للمقيمية البريطانية في بوشهر نظرة مذهلة وقيّمة للغاية على تلك الأحداث.
الصعود إلى الشهرة
جذب مير مهنا الاهتمام إليه لأول مرة نظرًا للسبل الشرسة التي وصل من خلالها إلى السلطة؛ إذ لم يكن مير مهنا مرتاح من نهج والده المهموم لشركة الهند الشرقية الهولندية أثناء حكم والده لبندر ريق، وقام بقتل والده وحرق والدته وهي على قيد الحياة.
واستمرت وتيرة العنف بعد ذلك لعدة أشهر، حيث تسبّب في خضم محاولته بسط السيطرة الكاملة على المدينة، في قتل شقيقه وخمسة عشر من أقربائه. وزعمت التقارير في ذلك الحين أنه "ألقى شقيقاته في البحر وقطع ٦٥ من أقاربه في ليلة واحدة"، كما أقدم بوحشية على "تعريض زوجته ورضيعه المولود حديثًا إلى الشمس حتى قضوّ". وسواء كان ذلك كله صحيحًا أم لا، فقد أكسبه ذلك سمعة وحش والتي تسببت الذعر في نفوس أعدائه.
وبمساعدة أسطول كبير وجحافل من التابعين، شق مير مهنا عباب مياه الخليج والأراضي الداخلية لبندر ريق، حيث مثّل لعدة سنوات تحديًا غير مستحب لسلطة الشاه كريم خان زند، حاكم إيران (١٧٥٠ -١٧٧٩)، والطموحات التجارية للقوى الأوروبية.
الدهاء الذي فاق حيلة الأوروبيين
أتاح تثاقل الأوروبيين في ١٧٦٥ لمير مهنا فرصة للهروب من القوة الفارسية المتمركزة في بندر ريق والتراجع لمسافة أربعين كيلومتر قبالة سواحل كورجو، جزيرة أصغر حجمًا من جزيرة خارج المجاورة ا. ومن هناك، قام بصدّ هجوم بريطاني متأخرًا. وقد منحه ذلك الثقة في انتزاع جزيرة خارج من قبضة الهولنديين، الأمر الذي حققه بسهولة منقطعة النظير؛ حيث استدرجهم إلى خارج حصنهم بذريعة التفاوض ثم استولى عليها بكل بساطة.
وظهر دهاء مير بعد عدة أعوام مجددًا، حيث حاول البريطانيون للمرة الثانية الإستيلاء على الجزيرة في مايو ١٧٦٨، وذلك لمِنح الشاه كريم خان المزايا التجارية لهم.
كانت السفن البريطانية تحمل في أوقات الحروب قوات المشاة والتي عادةً ما كانت تتألف من الجنود الهنود المعروفين بـ " السيبوي مصطلح يُستخدم بالإنجليزية للإشارة إلى جندي مشاة هندي. ويحمل المصطلح بعض الدلالات المهينة حيث استُخدم في بعض الأحيان كوسيلة لإقصاء/ تصنيف الآخرين وإبراز العرق أو اللون أو الأصل أو الرتبة العسكرية. ". وقد أخفقت إحدى تلك السفن في الهجوم الأول على جزيرة خارج، وظلت تبحر قبالة شاطئ الجزيرة لبضعة أيام حتى احتاج ركابها إلى المياه. عثر الركاب على بئر مياه عذبة بكورجو، وبعد استكشاف الجزيرة، نزلت وحدة صغيرة من المشاة إلى اليابسة بعد يوم لجلب بعض المياه، غير مدركين أن رجال مير مهنا قد انتقلوا إلى الجزيرة في الليلة السابقة و"أخفوا أنفسهم في عدة خنادق احتموا بها في الرمال".
وفور ابتعاد القوات الهندية عن الشاطئ، شنّ العرب هجومًا خاطفًا من مخبئهم وانقضوا علىالجنود الهنود، الذين "ألقى البعض منهم سلاحه جانبًا وانطلق إلى المياه"، بينما "مُزق البقية عن بكرة أبيهم إلى أشلاء". وعاد البريطانيون إلى بوشهرفي هزيمة محرجة للغاية.
على مشارف الشركة
وفي البر الرئيسي، أثبت مير مهنا أيضًا أنه غصة في حلق الجميع، وكما يشي بذلك الحادث الذي وقع في أكتوبر ١٧٦٤؛ فمع انشغال غالبية قوات والي بوشهر، الشيخ سَعدون في القتال ضد أسطوله، انتهز مير مهنا الفرصة وأرسل عدد قليل من رجاله إلى الريف المحيط ببوشهر.
حيث عاثوا سلبًا ونهبًا في القرى المجاورة و"اقتربوا من المدينة كثيرًا جدًا لعدة مرات" في استعراض للتبجّح. حتى أنهم سرقوا بغلاً وحمارًا مملوكين للشركة، لا لشيء إلا للتنغيص على بنجامين جيرفيس، المقيم البريطاني في ذلك الوقت، والذي نعتهم بـ "حفنة من قطاع الطرق الجبناء". والأدهى من ذلك أنهم أقدموا على قطع أذن المراكبي الذي كان يقود الحيوانات.
الإنهيار النهائي
استمرت المشاجرات السياسية بين الشاه كريم خان والبريطانيين في البصرة وبوشهر وبومباي حول كيفية التعامل مع التهديد الذي يمثله مير مهنا طوال أغلب حقبة سبعينايت القرن الثامن عش. وكان مير من بين الأسباب التي دفعت البريطانيين إلى إرسال البعثات الدبلوماسية المبكرة إلى مدينة شيراز في الفترة ١٧٦٧-١٧٦٨، ومن ثم استمرت عملية المشاركة السياسية البريطانية مع الفرس.
وفي نهاية المطاف، كانوا رجال مير مهنا هم من كتبوا الفصل الأخير في قصة هذا الرجل؛ فبعد أن طفح بهم الكيل من صرامة وقسوة حكمه، بادروا بالاستيلاء على قلعته الواقعة في جزيرة خارج وطردوه من الجزيرة. ثم تمكّن من الوصول إلى البصرة حيث وقع في قبضة الأتراك الذين أسروه حيث أُعدم في نهاية المطاف في ٢٤ مارس ١٧٦٩.
ومع ذلك، يظهر إسم مير مهنا كثيراً في المراسلات المبكرة لشركة الهند الشرقية، التي تسرد مسيرته الفريدة التي امتدت لسنوات طويلة. وفي وطنه إيران، لازالت ذكراه وإرثه حيّين في ذاكرة الجميع.