الدبلوماسية، المرض والموت: قصة الرقيق الجورجيين في الخليج

اقتبس هذه المقالة

عرض عام

قامت سفينة تابعة لشركة الهند الشرقية باعتراض سفينة تجارية بحرينية تنقل الرقيق في الخليج في يونيو ١٨٥٣، وكشفت هذه الواقعة عن قصة مليئة بالسياسة والدبلوماسية والمرض والموت.

في يونيو ١٨٥٣، كان الملازم جيمس ترونسون يقوم بدورية في الخليج على متن سفينة تيجريس التابعة لشركة الهند الشرقية، باحثًا عن تجار الرقيق، وذات يوم اعترض سفينة عربية تُدعى "سمهير" [؟] في طريقها من عدن إلى البحرين. وبالإضافة إلى شحنة من زيت السمك وأحجار الخُفّان، عثر ترونسون على ثلاثة رقيق على متن السفينة.

مقتطف من رسالة من الملازم جيمس ترونسون، قائد السفينة تيجريس، بتاريخ ٩ يونيو ١٨٥٣، يروي فيها تفاصيل الصعود على متن السفينة "سمهير" [؟] واحتجازها. IOR/R/15/1/138، ص. ٣٧٢
مقتطف من رسالة من الملازم جيمس ترونسون، قائد السفينة تيجريس، بتاريخ ٩ يونيو ١٨٥٣، يروي فيها تفاصيل الصعود على متن السفينة "سمهير" [؟] واحتجازها. IOR/R/15/1/138، ص. ٣٧٢

كان اعتراض السلطات البريطانية للسفن العربية في الصيف أمراً شائعاً وجزءًا من الجهود البريطانية الرامية إلى فرض السلام البريطاني على طرق التجارة البحرية بين زنجبار ومسقط. ومع ذلك، في هذه الحالة لم يكن اكتشاف الرقيق على متن السفينة أمرًا عادياً، فمن بين الرقيق الثلاثة كانت هناك امرأة من أصل جورجي، في الوقت الذي كان فيه أغلب الرقيق المتجهين إلى شبه الجزيرة العربية من ساحل شرق أفريقيا. وبمجرد اكتشافهم، قام ترونسون باحتجاز السفينة على الفور مع حمولتها وطاقمها في المستودع البحري البريطاني في باسعيدو، بلاد فارس، ثم كتب إلى رؤسائه طالباً المزيد من التوجيهات.

التحقيق في اكتشاف الرقيق

في باسعيدو، أدلى راشد بن سعيد، قبطان السفينة "سمهير" ببيان للمسؤولين البريطانيين يصف فيه صعود المرأة الجورجية على متن سفينته في عدن مع وليها الذي يدعى "سيدام"، وهو مبعوثًا من حاكم مصر، عباس باشا لقب عثماني كان يُستخدم عقب أسماء بعض حكام الأقاليم وكبار المسؤولين المدنيين والقادة العسكريين. . كما رافق خصي المبعوث والأَمَة.

مقتطف من البيان الذي أدلى به راشد بن سعيد، نخوذة "سمهير". IOR/R/15/1/138، ص. ٣٧٤
مقتطف من البيان الذي أدلى به راشد بن سعيد، نخوذة "سمهير". IOR/R/15/1/138، ص. ٣٧٤

أدلى سيدام أيضًا بشهادة للمسؤولين البريطانيين، يقرّ فيها بأنه سافر من السويس إلى عدن على متن باخرة حكومية مصرية مع مجموعة شملت في الأصل امرأتين من جورجيا وأربع حبشيات والخصي. وفي عدن، أصيبت إحدى الجورجيتين بمرض الجدري، بينما اتجهت الحبشيات إلى بومباي. فطلب سيدام مساعدة الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية البريطاني في ميناء عدن، النقيب ستافورد بيتسوورث هينز، في تعيين راشد بن سعيد وسفينته لتوصيله إلى البحرين.

رسم لمنظر طبيعي، "عدن" رسم كيت توينبي (خلال الفترة ١٨٧٩-٨٠). WD1348/27، ١و
رسم لمنظر طبيعي، "عدن" رسم كيت توينبي (خلال الفترة ١٨٧٩-٨٠). WD1348/27، ١و

أثناء رحلتهم على الساحل العربي، مرضت المرأة الجورجية الثانية، ومن المحتمل أنها أُصيبت أيضًا بالجدري، وعندئذٍ طلب سيدام من راشد التوقف في ميناء المكلا. آنذاك اشترى سيدام عبدين شابين، صبي أفريقي وفتاة، رغم اعتراض راشد نظراً لإدراكه المخاطر المحتملة إذا عثر المسؤولون البريطانيون على الرقيق الأفارقة على متن السفينة. ولتبرير تصرفاته أمام المسؤولين البريطانيين، أصر سيدام على أنه اشترى الطفلين للمساعدة على رعاية المرأة الجورجية المريضة.

مقتطف من رسالة مترجمة من الوكيل البريطاني في البحرين إلى المقيم البريطاني في الخليج العربي، بتاريخ ١٢ مايو ١٨٥٣. IOR/R/15/132، ص. ٥٦
مقتطف من رسالة مترجمة من الوكيل البريطاني في البحرين إلى المقيم البريطاني في الخليج العربي، بتاريخ ١٢ مايو ١٨٥٣. IOR/R/15/132، ص. ٥٦

الرقيق باعتبارهم "هدايا" دبلوماسية

لا توضح السجلات السبب وراء سفر مبعوث مصري إلى البحرين مع أَمَتين من جورجيا ولكن من المحتمل أن تكون هاتان المرأتان هدية دبلوماسية من عباس باشا لقب عثماني كان يُستخدم عقب أسماء بعض حكام الأقاليم وكبار المسؤولين المدنيين والقادة العسكريين. إلى حاكم البحرين، الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة. وقد كان الرجلان يعملان على تعزيز العلاقات الدبلوماسية لمواجهة النفوذ الوهابي أحد أتباع الحركة الإصلاحية الإسلامية المسماة بالوهابية؛ يُستخدم أيضًا للإشارة إلى الرعايا والأراضي الخاضعة لحكم أسرة آل سعود. المتزايد في الخليج، وبالتالي لم يكن تبادل مثل هذه "الهدايا" أمراً غريبًا.

ففي الواقع، تلقى الشيخ محمد قبل شهر، في مايو ١٨٥٣، خمس إماء جورجية من عباس باشا لقب عثماني كان يُستخدم عقب أسماء بعض حكام الأقاليم وكبار المسؤولين المدنيين والقادة العسكريين. في مقابل خمسة الخيول العربية التي كان حاكم مصر يغرم بها. وتجارة الرقيق من جورجيا ليست أمراً مفاجئًا، حيث تُشير تقديرات المؤرخين إلى أن العثمانيين استعبدوا نحو ٢٠٠ ألف رجل وامرأة من المنطقة القوقازية (معظمهم من الشراكسة والجورجيين) في القرن التاسع عشر.

مقتطف من رسالة من العميد البحري جورج روبنسون، قائد أسطول الخليج العربي، بتاريخ ٥ أغسطس ١٨٥٣، يبلغ فيها المقيم البريطاني عن توفي الأَمة الجورجية في باسعيدو. IOR/R/15/1/138، ص. ٣٧٦
مقتطف من رسالة من العميد البحري جورج روبنسون، قائد أسطول الخليج العربي، بتاريخ ٥ أغسطس ١٨٥٣، يبلغ فيها المقيم البريطاني عن توفي الأَمة الجورجية في باسعيدو. IOR/R/15/1/138، ص. ٣٧٦

ومع أن مصير معظم هؤلاء المستعبدين ما زال مجهولاً، إلا أنه من المؤكد أن المرأة الجورجية المسافرة على متن سفينة راشد بن سعيد لم تصل أبدًا إلى البحرين، فهي وقعت فريسة للمرض الذي قد أصابها قبالة ساحل المكلا عندما كانت تحت الحماية البريطانية في باسعيدو.