عرض عام
في أواخر سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن العشرين، باشر قسم المخطوطات الأوروبية في إدارة مكتبة وسجلات مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. بالمكتبة البريطانية مشروعًا يُعرف باسم "مشروع المسؤولين السياسيين في الهند". وسعى هذا المشروع لجمع رواياتٍ مكتوبةٍ من مسؤولين سابقين في الخدمة السياسية الهندية فرعٌ من الحكومة البريطانية في الهند كان مسؤولًا عن إدارة العلاقات السياسية بين الهند الواقعة تحت الحكم البريطاني والدول المجاورة لها، بما في ذلك الخليج، خلال الفترة ما بين ١٩٣٧-١٩٤٧. عاشوا وعملوا في الهند البريطانية خلال عقودها الأخيرة. جُمعت قائمةٌ بهؤلاء المسؤولين ثم أُرسل لكلٍ منهم رسالةٌ توضح طبيعة المشروع وتدعوهم للمساهمة.
المذكرات وكاتبوها
نتج عن هذا المشروع المجموعةٌ (Mss Eur F226) والتي تحتوي على مذكرات خمسةٍ وثلاثين مسؤولًا سابقًا استجابوا للدعوة (أو زوجاتهم في بعض الحالات). توثق عشرةٌ من هذه المذكرات خدمة كاتبيها في الخليج، وهي متاحةٌ الآن على مكتبة قطر الرقمية. ولد تسعةٌ من هؤلاء المسؤولين في الفترة ما بين ١٩٠٠-١٩١٥، أما العاشر، هربرت تود (١٨٩٣-١٩٧٧)، فكان يكبرهم سنًا. وفي حين أنهم جميعًا عملوا في الخدمة السياسية الهندية، إلا أن عددًا منهم بدأ مشواره الوظيفي في الخدمة المدنية الهندية، وقد انتقل بعضهم إلى الخدمة الدبلوماسية البريطانية عقب استقلال الهند. وتغطي مذكراتهم بشكلٍ رئيسي الفترة ما بين ١٩٢٠-١٩٤٧، إلا أن تسعةً منهم يستمرون في تسجيل مشوارهم الوظيفي بعد تركهم الخدمة السياسية الهندية، حتى أن ثلاثةً منهم يتناولون سنوات تقاعدهم.
العمل في الخليج: ممتعٌ أم ممل؟
كان من الشائع أن يتم تعيين موظفي الخدمة السياسية الهندية فرعٌ من الحكومة البريطانية في الهند كان مسؤولًا عن إدارة العلاقات السياسية بين الهند الواقعة تحت الحكم البريطاني والدول المجاورة لها، بما في ذلك الخليج، خلال الفترة ما بين ١٩٣٧-١٩٤٧. في الخليج للمرة الأولى في مرحلةٍ مبكرةٍ نسبيًا من مشوارهم الوظيفي، عادةً في منصبٍ ثانوي. وصل جون "جاك" بازالجيت إلى بوشهر في منتصف ثلاثينيات القرن العشرين ليشغل منصب نائب سكرتير في المقيمية مكتب تابع لشركة الهند الشرقية، ومن ثمّ للراج الهندي، أُسِّس في الأقاليم والمناطق التي كانت تُعتبر جزءًا من الهند البريطانية أو ضمن نطاق نفوذها. السياسية البريطانية، ويسترجع بازالجيت في مذكراته أن شُحّ العمل عند وصوله أدى لتكليفه بـ "ترتيب الأرشيفات التي كان يعود تاريخها إلى ما قبل ١٧٥٠ وكانت مدهشة." يروي بازالجيت أنه صادف بعض التفاصيل غير المعروفة في هذه الأرشيفات، الأمر الذي يألفه مصنّفو وباحثو اليوم عند اطلاعهم عل نفس المواد.
لا تخفى الطبيعة الرتيبة للإدارة الاستعمارية البريطانية على أحد، فهذا الأمر موثقٌ بوضوح. إذ تشير عدة مذكراتٍ إلى ندرة العمل المحفز، رغم أن هذه المسألة قد تكون مسألة رأي شخصي. فهناك أمثال هيو رانس، مساعد الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية في البحرين، الذي وجد العمل هناك "ممتعًا ومتنوعًا للغاية" (Mss Eur F226/23، ص. ٤٥و)، بينما اعتبر مايكل هادو، الذي شغل هذا المنصب قبله، نفس العمل مملًا إلى حد التسفيه (Mss Eur F226/10، ص. ٥و).
من يريد لعب التنس؟ الرياضة والأمسيات الترفيهية في الخليج
في أوقات فراغهم، زاول العديد من المسؤولين نفس الأنشطة الترفيهية التي اعتادوا مزاولتها في الوطن، ولكن مع بعض الاختلافات الملحوظة. يروي الأيرلندي باتريك تاندي أنه كان يلعب التنس في أوائل أربعينيات القرن العشرين على "ملاعب من الطين المخبوز" قرب المقيمية مكتب تابع لشركة الهند الشرقية، ومن ثمّ للراج الهندي، أُسِّس في الأقاليم والمناطق التي كانت تُعتبر جزءًا من الهند البريطانية أو ضمن نطاق نفوذها. البريطانية في بوشهر. كما يذكر "ملعب جولف بدائي" (Mss Eur F226/28، ص. ٨١و)، يتذكره رانس أيضًا الذي يقول عنه "كان بإمكان أحدنا بين الفينة والأخرى أن يضرب الكرة إلى مسافاتٍ مدهشة حيث تستمر الكرة في الارتداد إلى ما لا نهاية على أرض صلبة كالحديد." خلال تواجده في البحرين، لعب رانس الكريكيت في فريق المنامة على ملعبٍ من الإسمنت والحصى في مبارياتٍ ضد فرقٍ من البحرية الملكية، وشركة نفط البحرين، وهيئة الخطوط الجوية البريطانية لما وراء البحار.
توحي بعض المذكرات بالشعور بالوحدة عند العمل في مواقع معينة في الخليج، لكن مذكرات أخرى تأتي على وصف حيواتً اجتماعيةً نشطة. وفقًا لرانس، كانت البحرين في أربعينيات القرن العشرين "ملتقىً رائعًا"، حيث كان يمر بها العديد من المسؤولين البريطانيين وعائلاتهم بالإضافة إلى الوافدين البريطانيين والأمريكيين المُستقدَمين للعمل في شركات النفط. ويروي رانس أنه كان يخرج "كل ليلةٍ تقريبًا إلى حفلةٍ ما" عندما كان الطقس جيدًا (Mss Eur F226/23، صص. ٥٠ظ، ٤٩ظ).
ولا عجب أن المذكرات تتناول الطقس والمناخ بشكلٍ مستفيض. حيث يسترجع الكثيرون النوم على السطوح أو الاستحمام في خزانات الري سعيًا لتبريد أجسامهم خلال شهور الصيف، بينما فاق الحر احتمال البعض فغادروا في إجازةٍ مفتوحةٍ ولم يعودوا أبدًا!
تحذيرٌ بخصوص المحتوى وتأملاتٌ حول الإمبراطورية البريطانية
بطبيعة الحال، إن المؤلفين أقل تحفظًا في مذكراتهم الشخصية مما كانوا في السجلات الرسمية، وبالتالي فإن عددًا كبيرًا من الفقرات يحوي أوصافًا مسيئة طالت عددًا من السكان المستعمرين. هذا، وتعكس بعض هذه التعليقات منظورًا عنصريًا نحو العالم، من قبيل تلك التي تشبّه الخدم المنزليين بالحيوانات العاملة، كما ورد في وصف إحدى النساء بأنها "نظيفة ورائقة المزاج ومنصاعة" (Mss Eur F226/23، ص. ٤٧و).
بالرغم من صراحتهم، قلما يتوقف كاتبو المذكرات عند سبب وجودهم في الخليج، حيث لا توجد إلا بعض الإشارات المتفرقة للمهمة الإمبريالية البريطانية وطرق تنفيذها. ويبدو، عند المناقشة الصريحة، أن مبرر وجود بريطانيا في الخليج يستند إلى الفكرة الراسخة ومفادها أن مرامي الإمبريالية البريطانية كانت خيّرة في العموم. يشير أحد المسؤولين السابقين في الخليج إلى أن المقيمية مكتب تابع لشركة الهند الشرقية، ومن ثمّ للراج الهندي، أُسِّس في الأقاليم والمناطق التي كانت تُعتبر جزءًا من الهند البريطانية أو ضمن نطاق نفوذها. السياسية في بوشهر (ولاحقًا في البحرين) "سعت، بشكلٍ رئيسي عن طريق وسائل لبقة، للحفاظ على أوضاع سلمية لمرور التجارة،" قبل أن يصرح بأن الإمبراطورية البريطانية، بشكلٍ عام، "ضمنت الأمن والعدالة للطرف المُستضعَف" (Mss Eur F226/2، صص. ١٥٢ظ، ١٥٤و). تتضمن المذكرات بعض الانتقادات بشأن طريقة تعامل بريطانيا مع انتقال السلطة في الهند، وبعض التعليقات السلبية تجاه شخصياتٍ معينة من كبار المسؤولين والسياسيين البريطانيين، إلا أن الشغف والحنين هما الصفتان الغالبتان على استحضار الكاتبين لذكرياتهم عن الإمبراطورية البريطانية وأدوارهم المشبعة بالمزايا ضمنها.
نهاية حقبة
وما يجمع بين المذكرات أكثر من أي شيء هو شعور أصحابها بأنهم كانوا آخر بني جنسهم، كونهم ضمن آخر موظفي الخدمة السياسية الهندية فرعٌ من الحكومة البريطانية في الهند كان مسؤولًا عن إدارة العلاقات السياسية بين الهند الواقعة تحت الحكم البريطاني والدول المجاورة لها، بما في ذلك الخليج، خلال الفترة ما بين ١٩٣٧-١٩٤٧. في الخليج. يكتب تاندي الذي ترك منصب الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية في الكويت سنة ١٩٤٨: "بعدها ببضعة أيام سلمت المنصب لشابٍ من وزارة الخارجية لا يتحدث العربية، وأحسست عندها أن عهدًا قد انقضى" (Mss Eur F226/28، ص. ١٢٣و).