بريطانيا وابن سعود والمملكة العربية السعودية، ١٩٣٢-١٩٥٣

اقتبس هذه المقالة

عرض عام

عقب تأسيس المملكة العربية السعودية سنة ١٩٣٢، حافظت بريطانيا على علاقتها الوثيقة بمؤسس الدولة الجديدة وحاكمها، الملك ابن سعود، ولكن مع الوقت حلّت الولايات المتحدة الأمريكية محلّها في لعب دور الراعي والحامي الغربي الرئيسي للمملكة.

بحلول سنة ١٩٣٢، كانت العلاقات الودّية بين بريطانيا وأسرة آل سعود الحاكمة قد ترسّخت. فقد أدركت الحكومة البريطانية أهمية كسب ود الأمير عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود (المعروف بابن سعود) إبّان المراحل الأولى للحرب العالمية الأولى، حيث اعتُبر حينها حليفًا محتملًا ضد الإمبراطورية العثمانية. في يناير ١٩١٥، وأثناء مَهمّة لعرض معاهدة تحالف مع بريطانيا على ابن سعود (الملقّب حينها بأمير نجد والإحساء وتوابعها)، أشار المسؤول السياسي النقيب ويليام هنري إرفين شكسبير إلى إمكانية أن يصبح ابن سعود "تابعًا لبريطانيا للأبد"، ليس خلال الحرب الحالية فحسب، بل لفترة طويلة في المستقبل أيضًا. وُقعت المعاهدة في وقتٍ لاحق من تلك السنة، وأُبرمت معاهدة ثانية عُرفت بمعاهدة جدة سنة ١٩٢٧.

مقتطف من رسالة من النقيب ويليام هنري إرفين شكسبير إلى المقيم السياسي في الخليج العربي، ٤ يناير ١٩١٥. IOR/L/PS/10/387/1، ص. ٦٥ظ
مقتطف من رسالة من النقيب ويليام هنري إرفين شكسبير إلى المقيم السياسي في الخليج العربي، ٤ يناير ١٩١٥. IOR/L/PS/10/387/1، ص. ٦٥ظ

سنة ١٩٣٢ وما بعدها: مسوغات العلاقات الودية

لم يكن النّهج التّصالحي الذي اتبعته الحكومة البريطانية في علاقاتها مع ابن سعود انعكاسًا لمكانة الأخير كأقوى حاكم في شبه الجزيرة العربية فحسب، بل كان أيضًا انعكاسًا لكونه التجسيد الحي للدولة السعودية في نظر البريطانيين. ونظرًا للأهمية الاستراتيجية الكبيرة لصون الود مع ابن سعود وتأمين استقرار البلاد، بدأت مخاوف المسؤولين البريطانيين تزداد في ثلاثينيات القرن العشرين حول استمرارية النظام في حالة وفاة ابن سعود.

مقتطف من رسالة من السير ريدر بولارد، الوزير البريطاني في جدة، إلى الفيكونت هاليفاكس، وزير الدولة للشؤون الخارجية، ٢٥ أبريل ١٩٣٨. IOR/L/PS/12/2082، ص. ٨٦و
مقتطف من رسالة من السير ريدر بولارد، الوزير البريطاني في جدة، إلى الفيكونت هاليفاكس، وزير الدولة للشؤون الخارجية، ٢٥ أبريل ١٩٣٨. IOR/L/PS/12/2082، ص. ٨٦و

كان لابن سعود دوافعه الخاصة في إظهار ولائه للبريطانيين. ففي سنواتها الأولى، كانت الدولة السعودية الوليدة تعتمد على الحج كمصدر دخلها الرئيسي. غير أن هذا الدخل وحده لم يكن كافيًا، مما دفع ابن سعود لطلب مساعدة مالية منتظمة من الحكومة البريطانية. تحسنت الآفاق الاقتصادية للبلاد بشكلٍ كبير مع اكتشاف كميات تجارية من النفط في الظهران سنة ١٩٣٨، وذلك بعد مرور خمس سنوات على منح المملكة العربية السعودية لأولى امتيازاتها النفطية. إلا أن استخراج النفط وما يرافقه من ازدهارٍ موعود تأجل بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية. وبالتوازي، انحسر دخل الحج، حيث اعتبر البريطانيون أن إبحار سفن الحجيج من الهند إلى الممكلة العربية السعودية ينطوي على مخاطر جسيمة. أدت هذه العوامل، علاوة على نقص الغذاء، إلى اعتماد الممكلة العربية السعودية على المساعدات المالية من بريطانيا (وبعدها من الولايات المتحدة) طوال فترة الحرب.

العلاقات في زمن الحرب

بالإضافة إلى المساعدات المالية، طلب ابن سعود من البريطانيين ضماناتٍ بخصوص العلاقات بين البلدين. ففي يناير ١٩٣٩، أرسل ابن سعود رسالةً إلى رئيس الوزراء البريطاني، نيفيل تشامبرلين، يطلب فيها من الأخير توضيح موقف بلده إزاء عدة مواضيع بما فيها طبيعة الرد البريطاني في حالة تعرض المملكة لاعتداءٍ خارجي. وفي رده (الذي صاغته وزارة الخارجية بالنيابة عنه) استبعد تشامبرلين بشكلٍ كبير احتمالية وقوع هجوم على المملكة العربية السعودية، سواء من قبل جيرانها، أو من قبل قوة أوروبية، إلا أنه لم يضمن الدعم البريطاني في حالة وقوع مثل ذلك الهجوم. غير أن الرد أكد على اهتمام بريطانيا العميق بـ "حفاظ المملكة العربية السعودية على استقلالها وسلامتها".

مقتطف من مسوّدة رسالة من رئيس الوزراء البريطاني، نيفيل تشامبرلين، إلى ابن سعود، ٢٣ مارس ١٩٣٩. IOR/L/PS/12/2088، ص.١١٩و
مقتطف من مسوّدة رسالة من رئيس الوزراء البريطاني، نيفيل تشامبرلين، إلى ابن سعود، ٢٣ مارس ١٩٣٩. IOR/L/PS/12/2088، ص.١١٩و

وعلى الرغم من عدم تضمن هذا الرد لأية وعود، كانت هناك مخاوف في كلٍ من مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. ووزارة الخارجية بشأن احتمال خضوع المملكة العربية السعودية لنفوذ ألمانيا أو إيطاليا، ولذلك فقد كان هناك شعور عارم بالارتياح عندما تبنى ابن سعود، عقب اندلاع الحرب العالمية الثانية، موقفًا من الحياد الحسن. وكان الدافع الأكبر للمساعدات المالية التي قدمتها الحكومة البريطانية إلى الحكومة السعودية في سنوات الحرب الأولى هو المخاوف من سقوط نظام ابن سعود إذا تُرك بلا دعم، مما كان من شأنه تعريض البلاد لنفوذ دول المحور.

فترة ما بعد الحرب: انحسار النفوذ البريطاني

بعد انتهاء الحرب، استُئنف إنتاج النفط في المملكة العربية السعودية وتبدلت أحوال البلاد. وفي حين أن بريطانيا حافظت على علاقاتها الودية مع ابن سعود، فقد كان نفوذها في المملكة قد بدأ بالانحسار. حيث ساهم وجود شركة كاليفورنيا العربية للزيت القياسي منذ ثلاثينيات القرن العشرين في ازدياد اهتمام الحكومة الأمريكية بشؤون البلاد، الأمر الذي نتج عنه تعيين قنصل أمريكي في الظهران سنة ١٩٤٤. وفي وقت سابق من نفس السنة، اطلع الفيلسوف أشعيا برلين، الذي كان يعمل في جمع الاستخبارات في السفارة البريطانية في واشنطن، على مقتطفٍ من تقريرٍ سري أعدته إدارة الحرب الأمريكية، يبين المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في المملكة العربية السعودية على المدى البعيد، ويوصي بـ"عدم ادخار أية جهود في سبيل تعزيز العلاقات مع الملك ابن سعود".

مقتطف من محضر كتبه أشعيا برلين، يصف فيه مضمون تقرير سري عن خطط الحكومة الأمريكية في المملكة العربية السعودية على المدى البعيد، ٥ يناير ١٩٤٤. IOR/L/PS/12/2124، ص. ٣٦و
مقتطف من محضر كتبه أشعيا برلين، يصف فيه مضمون تقرير سري عن خطط الحكومة الأمريكية في المملكة العربية السعودية على المدى البعيد، ٥ يناير ١٩٤٤. IOR/L/PS/12/2124، ص. ٣٦و

تلقّى مسؤولو وزارة الخارجية هذه الاستخبارات ببعض الشك، غير أن الوقت بيّن لهم صدق نبوءة برلين فيما يتعلق بنوايا الولايات المتحدة لحقبة ما بعد الحرب. وساهم اجتماعٌ بين ابن سعود والرئيس روزفلت على متن السفينة الأمريكية كوينسي في فبراير ١٩٤٥ في توطيد العلاقات بين البلدين، الأمر الذي شكّل نقطة تحول مهمة في المنطقة. فبعد أن حلت الولايات المتحدة محل بريطانيا في دور الراعي والحامي الغربي الرئيسي للمملكة العربية السعودية، سرعان ما أصبحت الولايات المتحدة القوة الإمبريالية المهيمنة في الشرق الأوسط.

الرئيس فرانكلين د. روزفلت والملك ابن سعود على متن السفينة الأمريكية كوينسي (طوافة ثقيلة-٧١) في فبراير ١٩٤٥. ملكية عامة
الرئيس فرانكلين د. روزفلت والملك ابن سعود على متن السفينة الأمريكية كوينسي (طوافة ثقيلة-٧١) في فبراير ١٩٤٥. ملكية عامة