منوعات موسيقية مغولية: إعداد المخطوطة Or. 2361

اقتبس هذه المقالة

عرض عام

تسلط ملاحظات خطّية في مخطوطة من الفترة المغولية تتضمن أربعة عشر نصًا موسيقيًا الضوء على سياقها التاريخي وسيرورة إعدادها.

مقدمة:

بعد تولي الإمبراطور المغولي أورنجزيب العرش بأربع سنوات (١٠٢٧هـ/١٦١٨م - ١١١٨/١٧٠٧؛ حكم من ١٠٦٨هـ/١٦٥٨م)، كُلّفت شخصية كبيرة من البلاط تُدعى ديانت خان بإعداد مخطوطة من أربعة عشر نصًا بالعربية والفارسية عن نظرية الموسيقى.

صورة لأورنجزيب يمتطي حصانًا، القرن السابع عشر (متحف المتروبوليتان للفنون، صندوق روجرز، ١٩٢٥: 25.138.1) .ملكية عامة
صورة لأورنجزيب يمتطي حصانًا، القرن السابع عشر (متحف المتروبوليتان للفنون، صندوق روجرز، ١٩٢٥: 25.138.1) .ملكية عامة

توجد المخطوطة الآن في المكتبة البريطانية تحت رقم الاستدعاء Or. 2361، وتعد هذه المخطوطة أولاً وقبل كل شيء دليلًا ثنائي اللغة لأعمال مرجعية هامة عن التحليل العلمي للصوت والإيقاع والتناغم وصناعة الآلات. بيد أنها تحتوي بالإضافة إلى ذلك على كمية كبيرة من الأدلة الداخلية التي تشهد على السياق الخاص بإعدادها داخل البلاط المغولي المتنقل.

ديانت خان: خادم أورنجزيب

كان ديانت خان (شاه قباد عبد الجليل الحارثي البدخشي، توفي ١٠٨٣هـ/١٦٧٢م) قائدًا عسكريًا وباحثًا. ووفقاً لحفيده، وهو مؤرخ ورث فيما بعد المخطوطة Or. 2361، فإنه ولد في قندهار وترعرع في الهند. و تبوأ ديانت خان فيما بعد مكانة بارزة، حيث عيّنه أورنجزيب حاكمًا على ديكان الواقعة في أورانج آباد. واستكمالاً لاهتمامه بتراث علم الموسيقى العربي-الفارسي، تولى ديانت خان كذلك إعداد نسخ من نصوص عن الآلات والعروض الهندية المعاصرة، ومواضيع علمية أخرى.

صورة لأورنجزيب في بلاطه، تُنسب إلى بيجتر، حوالي ١٦٦٠. من كتاب "الرسم الإمبراطوري المغولي" من تأليف ستيوارت كاري ويلش (نيويورك: جورج برازيلر، ١٩٧٨)، ص. ١١٢. ملكية عامة. قام برقمنة الصورة مشروع شراكة المكتبة البريطانية/مؤسسة قطر
صورة لأورنجزيب في بلاطه، تُنسب إلى بيجتر، حوالي ١٦٦٠. من كتاب "الرسم الإمبراطوري المغولي" من تأليف ستيوارت كاري ويلش (نيويورك: جورج برازيلر، ١٩٧٨)، ص. ١١٢. ملكية عامة. قام برقمنة الصورة مشروع شراكة المكتبة البريطانية/مؤسسة قطر

كان من بين مهام ديانت خان سنة ١٠٧٣هـ/١٦٦٢-١٦٦٣م، الانضمام إلى البلاط الإمبراطوري في رحلته من شاه جهان آباد (دلهي) إلى كشمير عبر لاهور. وُثقت الرحلة في السجل التاريخي للبلاط المغولي، مآثر عالمكيري، وقام أحد المشاركين، الرحالة الفرنسي فرانسوا بيرنييه، بوصف الموكب المهيب.

يوضح بيرنييه بصورة مفصلة الطابع المعقد للتنظيم وحشود الناس الذين التحقوا بهذه البعثة الطويلة والشاقة. وقد كان من بينهم جل طبقة النبلاء في دلهي، حيث اصطحب كل منهم خيمته الكبيرة الخاصة، وسيدات البلاط، والعسكر، وجميع الخدم الملازمين، والعتالون، والمعاونون الشخصيون، وحيوانات الركوب، بما فيها الجمال والبغال والفيلة.

صفحة العنوان ورسم من "رحلات فرانسوا بيرنييه" (من أنجو) يصف دول المغول الكبرى، إندوستان، مملكة كشمير (أمستردام: ماريت، ١٦٩٩). ملكية عامة. قام برقمنة الصورة مشروع شراكة المكتبة البريطانية/مؤسسة قطر
صفحة العنوان ورسم من "رحلات فرانسوا بيرنييه" (من أنجو) يصف دول المغول الكبرى، إندوستان، مملكة كشمير (أمستردام: ماريت، ١٦٩٩). ملكية عامة. قام برقمنة الصورة مشروع شراكة المكتبة البريطانية/مؤسسة قطر

وفي حين أن بيرنييه و مآثر عالمكيري لا يأتيان على ذكر ذلك، يخبرنا حرد متن المخطوطة Or. 2361 أن ديانت خان كان يسافر ضمن هذا الموكب مع حاشيته وناسخيه وهذه المخطوطة الموسيقية غير المكتملة.

مخطوطة متنقلة: بدأت في دلهي...

يمكن أخذ انطباع عن عملية إعداد المخطوطة Or. 2361 من حرد المتن المفصّل فيها. وهو بيان قصير موجود في نهاية النص، يسجل معلومات مثل زمان ومكان نسخ النص وتدقيقه (أحيانًا لاحقًا)، ومن قام بنسخه وتدقيقه. وفي حين أن هذه الممارسة شائعة في تقاليد المخطوطات العربية والفارسية، فإن المخطوطة Or. 2361 على وجه الخصوص غنية بالتفاصيل نظرًا لكثرة نصوصها، والاهتمام الوثيق الذي أولاه راعيها ديانت خان لها.

بدأ العمل بالكتاب في صفر ١٠٧٣/سبتمبر ١٦٦٢، قبل مغادرة أورنجزيب لدلهي، وبصحبته أطروحتان بالفارسية عن قانونية الموسيقى والغناء، نسخها تباعًا كاتب باللغة الفارسية يدعى محمد أمين من أكبر آباد (أغرة حاليًا).

وبعد ذلك بفترة وجيزة، نُسخت أول ستة نصوص من النصوص العربية التسعة للمخطوطة Or. 2361 خلال الأسابيع الأربعة من ١٧ ربيع الأول/٢٩ نوفمبر إلى ١٣ جمادى الأولى/٢٤ ديسمبر. وهذه النصوص هي أطروحة للفيلسوف الإسلامي من العصر الأول، الكندي (توفي ٢٥٦هـ/٨٧٣م)، وهي النسخة الوحيدة الباقية إلى اليوم، وعمل لأحد أفراد الحاشية والباحث العباسي ابن المنجّم (توفي ٣٠٠هـ/٩١٢م) عن الأنماط الموسيقية العربية التقليدية، ونصوص أخرى للباحثين الشرواني (توفي حوالي ٨٥٧هـ/١٤٥٣م)، وابن زيلة (توفي ٤٤٠هـ/١٠٤٨-١٠٤٩م)، والفارابي (توفي حوالي ٣٣٩هـ/٩٥٠م)، بالإضافة إلى شرح لشخص مجهول عن أطروحة مهمة في علم الموسيقى في القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي، كتاب الأدوار بقلم الأرموي (توفي ٦٩٣هـ/١٢٩٤م). قام الناسخ سيد أبو محمد بن سيد فتح محمد سماني من بلدة سمانة في البنجاب بنسخها جميعًا. وتشير حرود المتن الأخرى وتناسق خط اليد في كل المخطوطة إلى أن جميع النصوص الموجودة في المخطوطة Or. 2361 كُتبت بشكل منفرد إما بقلم سماني المختص باللغة العربية أو محمد أمين المختص باللغة الفارسية.

حرد متن "كتاب المدخل في الموسيقى" للفارابي، نُسخ في دلهي، ٣ جمادى الأولى ١٠٧٣هـ/ ١٤ ديسمبر ١٦٦٢م، وراجعه ديانت خان في لاهور، ٢٢ رجب ١٠٧٣هـ/٢ مارس ١٦٦٣م. Or. 2361، ص. ٢٤٠و
حرد متن "كتاب المدخل في الموسيقى" للفارابي، نُسخ في دلهي، ٣ جمادى الأولى ١٠٧٣هـ/ ١٤ ديسمبر ١٦٦٢م، وراجعه ديانت خان في لاهور، ٢٢ رجب ١٠٧٣هـ/٢ مارس ١٦٦٣م. Or. 2361، ص. ٢٤٠و

... واستُكملت في أمبالا ولاهور...

غادر أورنجزيب وحاشيته دلهي في ٧ جمادى الأولى ١٠٧٣/١٨ديسمبر ١٦٦٢. وبحلول نهاية الشهر التالي، تم استكمال النص العربي السابع (شرح آخر لكتاب الأدوار) والنص الفارسي الثالث (مقتطفات من عمل لابن سينا، توفي ٤٢٧هـ/١٠٣٧م) في أنبالا (أمبالا اليوم)، وهي بلدة محصّنة تشتهر بحدائقها الجميلة، وتقع في منتصف الطريق إلى لاهور تقريبًا. وبعد سلكه للطريق دون أي تعجل، حيث قام بالصيد وتصريف شؤون البلاد على طول الطريق، وصل أورنجزيب ورفاقه إلى لاهور في ١٠ رجب/١٨ فبراير ومكثوا هناك حتى ٣ شوال/١١ مايو، في انتظار ذوبان الثلج الذي يغطي الممرات الجبلية.

بدأ الانخراط الفعلي لديانت خان بتدقيق النسخة أثناء فترة التوقف في لاهور. حيث يسجل حرد المتن في أطروحة الشرواني بأنه دقق النص بنفسه "في مكان قريب من لاهور"، حيث استكمل هذه المهمة في ٩ رجب/١٧ فبراير، وبعدها بأيام، دقق كذلك عمل الفارابي. وفي غضون ذلك، كان سماني يقوم بإعداد نسخة عن النص الأصلي لكتاب الأدوار الذي استُكمل في ٣ رمضان/١١ أبريل في لاهور.

ولم يُكمل أغلب أتباع المعسكر طريقهم إلى كشمير بسبب الصعوبات في اجتياز الممرات الجبلية. لذا، عندما غادر أورنجزيب لاهور، أخذ ديانت خان مخطوطته النصف مكتملة غير أنه لم يصطحب الكتبة معه على ما يبدو، حيث لم يُعرف أماكن وجودهم حتى السنة التالية في دلهي عندما نُسخ المزيد من النصوص للمخطوطة.

يستحضر بيرنييه تجارب الرحلة: الحر في البنجاب، والاجتياز الخطر للنهر بالزورق، والصعود الخطر للجبال، بما في ذلك حادث مريع أودى بحياة العديد من الناس والفيلة، لم يزر على إثره أورنجزيب كشمير قط بعد ذلك. وبحلول ذو القعدة/يونيو، كان الوفد الملكي قد وصل إلى سريناغار، التي سميت "بلدة كشمير" لاحقًا، حيث يصف بيرنييه الارتياح الناجم عن الجمال المعتدل للمناظر الطبيعية.

رسم لمملكة كشمير، من كتاب بيرنييه "رحلات في إمبراطورية المغول، ١٦٥٦-١٦٦٨" (أكسفورد: همفري ميلفورد/دار نشر جامعة أكسفورد، ١٩١٦)، ص. ٤٠٨أ. ملكية عامة
رسم لمملكة كشمير، من كتاب بيرنييه "رحلات في إمبراطورية المغول، ١٦٥٦-١٦٦٨" (أكسفورد: همفري ميلفورد/دار نشر جامعة أكسفورد، ١٩١٦)، ص. ٤٠٨أ. ملكية عامة

... ثم روجعت في كشمير

وأثناء تواجده في سريناغار، عمل ديانت خان على مخطوطته بالإضافة إلى خدمته للإمبراطور، حيث استكمل تدقيق شرحَي كتاب الأدوار (قُورن إحداهما أيضًا مع نسخة أخرى موثوقة بعد ذلك بأربع سنوات)، والأعمال التي قام بها ابن زيلة وابن المنجم. دقق ديانت خان النصوص العربية فقط، ولربما يشير ذلك إلى إلمامٍ بالكتابة باللغة العربية أكثر من الفارسية، اللغة المحكية في البلاط.

ولم تقتصر مساهمة ديانت خان على تدقيق النصوص فحسب، فمن المعروف أنه قام بنفسه بإضافة رسوم بيانية لمخطوطة أخرى كُلّف بها، وهي عملية تتطلب مهارة وفهم كبيرين. ومن المحتمل أنه كان أيضًا وراء الرسوم البيانية العديدة في المخطوطة Or. 2361.

ملاحظة بتاريخ ١٠٦٦هـ/١٦٥٦م بيد ديانت خان تسجل أنه رسم الجداول والرسوم البيانية في هذه المخطوطة IO Islamic 4419، ص. ١٨ظ
ملاحظة بتاريخ ١٠٦٦هـ/١٦٥٦م بيد ديانت خان تسجل أنه رسم الجداول والرسوم البيانية في هذه المخطوطة IO Islamic 4419، ص. ١٨ظ

وبعد حوالي ثلاثة أشهر من العمل والمتعة، غادر أورنجزيب كشمير في ٢٢ محرم ١٠٧٤/٢٦ أغسطس ١٦٦٣، ولم  تُضاف أية نصوص إلى المخطوطة حتى ٢٣ رجب الأول ١٠٧٥/١٤ أكتوبر ١٦٦٤، عندما نسخ سماني حاشية لرسالة كتبها الخجندي (عاش خلال الفترة ٧٠٢هـ/١٣٠٣م-٧١٥هـ/١٣١٦م) في دلهي. واستُكمل عملين أخيرين بالفارسية بحلول ١٢ رجب ١٠٧٥/٢٩ يناير ١٦٦٥. وتمت مقارنتهما مع النسخ الأصلية بعد نسخهما مباشرة، وقورن أحدهما مجددًا بعد بضع سنوات عندما وجدت نسخة أخرى أصلية.

حالة المخطوطة Or. 2361 بعد ذلك

تطرح المخطوطة في وضعها الحالي بعض الألغاز. فالترتيب الحالي للنصوص لا يتبع أي نظام متسق، سواء من ناحية تاريخ التأليف، أو النسخ، أو اللغة، أو الموضوع. ومن الواضح أنها كُتبت على نحو مجزأ ومن ثم تم تجميعها، غير أن الترتيب الأصلي غير معروف. وأخيرًا، فإن زخرفة المخطوطة على الطريقة الكشميرية وتجليدها بالجلد الأزرق بواسطة أدوات ذهبية يعود تاريخه إلى فترة أحدث، ومن المرجح أن ذلك مرتبط بسلسلة من الانتقالات السريعة لملكيتها في القرن التاسع عشر. ذلك أن شغل المخطوطة الأصلية كان سيتم على نحو أكاديمي ورصين.

تذييلات وأختام تدون نقل ملكية المخطوطة. Or. 2361، ص. ٢و
تذييلات وأختام تدون نقل ملكية المخطوطة. Or. 2361، ص. ٢و

ومع هذا الكم الهائل من المعلومات الداخلية، تتعدى أهمية المخطوطة Or. 2361 موضوعها الموسيقي بكثير، إذ تقدم لمحةً عن السياق المتحرك جداً الذي اعترى إنتاج المخطوطات آنذاك. حيث تتعقب صفحات هذا المجلد مراحل حياة الإمبراطور أورنجزيب المتشابكة، وعضو حاشيته المثقف ديانت خان، والناسخَين التابعَين للأخير على مدى عدة سنوات، على خلفية متحركة من المدن والجبال والسهول والمعسكرات الملكية. هذا، ومن الجلي أن حياة ديانت خان البحثية لم تكن بالحياة المستقرة في مكان واحد.