عمل الأدلة الطبية: تنسيق مسائل وأجوبة في أدلة حنين بن إسحق الطبية

اقتبس هذه المقالة

عرض عام

حنين بن إسحق: عالم عربي في العصور الوسطى نقل فهمه للنصوص الطبية المكتوبة باليونانية القديمة إلى أدلة لينفع بها الكثير من الأجيال المتعاقبة من الطلاب.

كانت المعارف المطلوبة من طلاب الطب في العصور الوسطى أكثر تعقيداً وشموليةً عما يمكن للمرء أن يتخيله. كان هناك بالفعل نظام معقد لتصنيف الأمراض يشمل سبب وظهور المرض والعلاج ، وكان واجب على كل طالب طب أن يعرفه. لحسن الحظ وبعد مرور قرون، أصدر العلماء المتعاطفين للطلاب أدلة تحوي المعلومات الضرورية للطلاب حتى يجتازوا الاختبارات ويبدأوا حياة مهنية ناجحة.

صفحة عنوان لترجمة حنين لكتاب "إيساغوجي" أو كتابه "المسائل في الطب". Arundel Or. 10، ص. ٢٨و
صفحة عنوان لترجمة حنين لكتاب "إيساغوجي" أو كتابه "المسائل في الطب". Arundel Or. 10، ص. ٢٨و

قام الطبيب السرياني العظيم والمترجم الموسوعي متعدد اللغات حنين بن إسحق (٨٠٩-٨٧٣م) بكتابة اثنين من هذه الأدلة، وربما كان دافعه ذاكرة طرده من مدرسة الطب نظراً لطرحه أسئلة كثيرة. وبعدها سافر ربما إلى الإسكندرية حيث وجد ربما الإجابات على أسئلته في كتابات أرسطو وجالينوس.

صيغة مسائل وأجوبة

كتب حنين بعد ذلك دليلين بتنسيق مسائل وأجوبة. الأول: مسائل في الطبّ، الذي كان بمثابة مقدمة عامة للموضوع والثاني: مسائل في العين، الذي تناول تشريح وأمراض العين على وجه التحديد. ويرجع هذا التنسيق إلى المنطق الأرسطي، وتطور التنسيق عن طريق سلاسل طويلة من مناقشات الديانات المسيحية واليهودية. وقد وردت كتابات جدلية كثيرة بين مدارس اللاهوت المسيحية المتعددة ومعتنقي الإسلام، وبعد ذلك تبنى علماء المسلمين الأوائل هذا التنسيق. فقد تعاملت المناقشات الإسلامية في البداية مع تفسير الآيات القرآنية ولكن سرعان ما تناولت أيضاً مسائل قانونية وعلمية. وكان الهدف يجمع بين الجدلية والتعليمية. كانت هذه المناقشات تهدف إلى تطوير المعارف بشكل عام ونقلها إلى الطلاب. ولذلك كانت صيغة مسائل وأجوبة مفيدة وعملية وقدمت نموذجاً مثالياً لتدريس الأدلة في تخصصات قانونية وطبية.

صفحة عنوان لكتاب حنين "المسائل في العين". Or. 6888، ص. ١و
صفحة عنوان لكتاب حنين "المسائل في العين". Or. 6888، ص. ١و

طريقة حنين

تمثل أدلة حنين تقدماً عظيماً نحو التصنيف استناداً إلى النظرية الكلاسيكية الخاصة بأجلاط الجسم الأربعة. وبعض أجوبته جديرة بالملاحظة بفضل دقة وصفها ووضوح عرضها. على سبيل المثال: في مسائل في الطبّ طرح حنين المسائل"كم هي أجناس الحميات؟ ... وما هي؟" وأجابها بتمييز الأصول والأسباب والأنماط المختلفة لحلقات الحمى (النوبات والأزمات في الحمى). كما سلط الضوء على أهمية تحديد ما إذا كان سبب العدوى خارجياً أو داخلياً "وذلك أنّ منها ما يكون مع علّة تحدث في بعض الأعضاء ومنها ما يكون من غير علّة تحدث في شيئ من الأعضاء".

قد تبدو بعض المسائل والأجوبة  مدهشة في الوقت الحالي. على سبيل المثال: في مسائل في العين يسأل حنين "لِمَ صار لكل عين جفنان، ولم يصر لها واحد، ولا ثلاثة أجفان؟" والإجابة كانت "السبب في ذلك أنه لو كان لها جفن واحد لم يخل من أن يكون ابتداؤه إما من فوق وإما من أسفل : فلو كان من فوق لم تكن الأكحل الحجرية اليابسة تلبث في العين... وكانت العين مع ذلك سمجة؛ ولو كان ذلك الجفن من أسفل لم يكن يعم العين... وكانت مع ذلك إذا انفتحت تكون سمجة النظر قبيحة الرؤية." ولأن كمال خلق الله بالنسبة لحنين ونظرائه لم يكن محل شك فقد استبعدت إجابته وبهمة احتمالية أن يكون للإنسان جفن واحد وهو في ذلك يرسخ نفي الضد وهي جدلية كلاسيكية تُستخدم في نصوص مسائل وأجوبة.

شرح حنين لسبب وجود جفنين بالعين في كتابه "المسائل في العين". Or. 6888، ص. ٥ظ
شرح حنين لسبب وجود جفنين بالعين في كتابه "المسائل في العين". Or. 6888، ص. ٥ظ

مصير وتأثير أدلة حنين الطبية: في الشرق والغرب

حظي كلا الدليلين  بشعبية هائلة بين طلاب الطب وسرعان ما صارا أداة مراجعة لا يمكن الاستغناء عنها. فقد اعترف كبار الأطباء بجودتهما وأصبحا مادة اختبار معيارية لطلاب الطب على مستوى العالم العربي في العصور الوسطى. في بعض النسخ المخطوطة من هذه النصوص، يمكن للمرء أن يقرأ الشهادات (إجازات) التي صدرت لمالكيها بعد النجاح في امتحاناتها. وقد سمحت هذه الشهادات لحامليها بممارسة مهنة الطب وربما تُعتبر بذور الدبلومات المعاصرة.

أدى نجاح أدلة حنين إلى ترجمة نسخ من مسائل وأجوبة إلى اللاتينية ربما في وقت مبكر من القرن الحادي عشر. وتم إضافة هذه المادة في شكل سرد متوالي إلى Articella وهي مجموعة من ستة كتب اعتُبرت أول منهج طبي في أوروبا في العصور الوسطى. أصبح اسم حنين "Johannitius" باللغة اللاتينية وكان يُشار للنص بأنه Isagoge  (مقدمة) كما هو في بعض مخطوطات النص العربي. بعد أن أُدخل النص في منهج سكولا ساليرنيتانا - ربما تكون أول مدرسة طب في أوروبا - نُقل إلى إنجلترا ربما عن طريق أنسلم كانتربري (توفى ١١٠٩). دُرّس هذا الدليل في مدارس الطب الرائدة في أوروبا وجامعات باريس وبولونيا وأكسفورد ومونبلييه وبادوا وكان يُعاد طبعه بشكل مستمر في القرن السادس عشر. وبينما شهد عصر النهضة تطورات جديدة في التشريح وعلم وظائف الأعضاء، تم التخلي عن أدلة حنين تدريجياً في جامعات أوروبا، ولكنها مع ذلك نجحت في مساعدة أجيال كثيرة من طلاب الطب.