القرصنة في سجلات مكتب الهند: بعض السياق التاريخي

اقتبس هذه المقالة

عرض عام

استند وجود بريطانيا التاريخي في الخليج إلى ادعاء المسؤولين البريطانيين محاربة "القرصنة". لكن، ما الذي كانوا يقصدونه بهذا المصطلح، وكيف فسره المقيمون في المنطقة؟

"معيبة في أعين جميع الأمم المتحضرة"

في العام ١٨١٩، أرسلت بريطانيا حملةً عسكريةً من بومباي ]مومباي [بهدف "تدمير القوة البحرية للقواسم وقبائل القراصنة الأخرى التي تسكن في سواحل الخليج الفارسي المصطلح التاريخي المستخدم للإشارة إلى المسطح المائي الذي يفصل بين شبه الجزيرة العربية وإيران. ". كان من المقرر أن تركز الحملة جهودها على رأس الخيمة، التي قيل إنها "المركز الرئيسي لقوة القرصنة" (IOR/F/4/650/17853، صص. ٧ظ، ١٩و).

صورة لرأس الخيمة سنة ١٨٠٩، أثناء حملة عسكرية بريطانية سابقة. ملكية عامة. قامت برقمنة الصورة شراكة المكتبة البريطانية ومؤسسة قطر من ريتشارد تيمبل، "مشاهد في الخليج الفارسي" (لندن، و. هاينز، ١٨١٣)
صورة لرأس الخيمة سنة ١٨٠٩، أثناء حملة عسكرية بريطانية سابقة. ملكية عامة. قامت برقمنة الصورة شراكة المكتبة البريطانية ومؤسسة قطر من ريتشارد تيمبل، "مشاهد في الخليج الفارسي" (لندن، و. هاينز، ١٨١٣)

كانت السنوات السابقة قد شهدت زيادةً في عدد البلاغات عن وقوع هجمات شنها القواسم إحدى الأسر الحاكمة في الإمارات العربية المتحدة؛ يُستخدم أيضًا للإشارة إلى ائتلافٍ من البحّارة العرب قادته قبيلة القاسمي من رأس الخيمة. على السفن. وفي مراسلات المسؤولين البريطانيين، كثيرًا ما نراهم يشيرون إلى القواسم إحدى الأسر الحاكمة في الإمارات العربية المتحدة؛ يُستخدم أيضًا للإشارة إلى ائتلافٍ من البحّارة العرب قادته قبيلة القاسمي من رأس الخيمة. وحلفائهم بأنهم "قراصنة". يعكس هذا المصطلح المشاعر البريطانية تجاه أنشطة القواسم، والتي كانت، حسب قول حاكم بومباي، السير إيفان نيبيان، "معيبةً في أعين جميع الأمم المتحضرة في العالم" (IOR/F/4/649/17852، ص. ٢٢٨و). فمن وجهة نظر البريطانيين، لم يكن الهدف من حملتهم العسكرية هو قمع قوةٍ منافسةٍ فحسب، بل والقضاء على نفوذٍ خبيثٍ أكثر تجذرًا في الخليج ألا وهو القرصنة.

حققت بريطانيا انتصارًا سريعًا ضد رأس الخيمة، إلا أن ذلك لم يكن سوى بداية تدخلها. ففي أوائل سنة ١٨٢٠، أبرم ويليام جرانت كير اتفاقيةً مع القواسم إحدى الأسر الحاكمة في الإمارات العربية المتحدة؛ يُستخدم أيضًا للإشارة إلى ائتلافٍ من البحّارة العرب قادته قبيلة القاسمي من رأس الخيمة. والقبائل المجاورة لهم. وفي معرض كتابته عن هذه الاتفاقية، أكد جرانت على أنها كانت "مدروسة لقمع القرصنة، والتأسيس لتعامل تجاري حر وآمن بين مختلف المرافئ في الخليج ومثيلاتها في الهند" (IOR/F/4/651/17855، ص. ٧٢و). ولكن عندما سعت بريطانيا لتطبيق هذه الاتفاقية، تبين لها أن القرصنة مفهومٌ غامض ومراوغ.

"يُزال النهب والغارات"

يُلزم نص " معاهدة العمومية مع الأقوام العرب في خليج فارس اتفاقية أبرمت سنة ١٨٢٠ بين بريطانيا وعشرة من شيوخ القبائل في الساحل الشرقي للجزيرة العربية. كثيرًا ما يُنظر إلى هذه الاتفاقية على أنها تمثّل بداية الهيمنة البريطانية في المنطقة. "، كما كان عنوانها، الأطراف الموقّعة بـ"أن يُزال النهب والغارات في البر والبحر من طرف العرب المشروطين في كل الأزمان". وتأتي كلمة غارات هنا ترجمةً لمصطلح "بايْرَسي" (قرصنة) في النسخة الإنجليزية، الذي تسعى المادة الثانية لتعريفه والتمييز بينه وبين "الحرب المعروف".

مقتطف من النسخة الإنجليزية من معاهدة ١٨٢٠، يُظهر المادتين ١ و٢ IOR/L/PS/10/606، ص. ١٣١و
مقتطف من النسخة الإنجليزية من معاهدة ١٨٢٠، يُظهر المادتين ١ و٢ IOR/L/PS/10/606، ص. ١٣١و
ذات المادتين من النسخة العربية لمعاهدة ١٨٢٠. IOR/L/PS/10/606، ص. ١٤٦ظ
ذات المادتين من النسخة العربية لمعاهدة ١٨٢٠. IOR/L/PS/10/606، ص. ١٤٦ظ

كان الغرض من هذا التمييز إظهار أن بريطانيا لم تكن تسعى إلى الانخراط في العلاقات السياسية الأوسع نطاقًا في شبه الجزيرة العربية، وهو ما تصرّح به إرسالية من الحكومة العليا في الهند: "نحن حريصون على تجنب أي تدخل في شؤون الدول العربية خلاف ما قد يكون ضروريًا لإنفاذ قمع القرصنة" (IOR/F/4/650/17854، ص. ٣٨٦ظ).

وجهات نظرٍ عربية

إلا أن الحفاظ على هذا التمييز على أرض الواقع لم يكن أمرًا سهلًا. ففي تلك الفترة، كانت القبائل العربية في الخليج تتنافس على السلطة والموارد. وكانت الغارات – سواء عن طريق البر أو البحر – "معترفًا بها ... كوسيلة شرعية من وسائل العلاقات بين الدول غير المتعارفة، ومن باب أولى الدول التجارية" (العقاد، صص. ٦٨-٦٩). وكانت هذه الغارات قد ازدادت مؤخرًا بالتزامن مع صعود الحركة الوهابية، التي سعت إلى توحيد القبائل العربية تحت رؤيةٍ سلفيةٍ للإسلام، مستخدمةً القوة إن لزم الأمر. وبحلول نهاية القرن التاسع عشر، كان القواسم إحدى الأسر الحاكمة في الإمارات العربية المتحدة؛ يُستخدم أيضًا للإشارة إلى ائتلافٍ من البحّارة العرب قادته قبيلة القاسمي من رأس الخيمة. قد اعتنقوا الوهابية أحد أتباع الحركة الإصلاحية الإسلامية المسماة بالوهابية؛ يُستخدم أيضًا للإشارة إلى الرعايا والأراضي الخاضعة لحكم أسرة آل سعود. وسخروا قواتهم البحرية لخدمتها. وبينما سارع البريطانيون إلى وصف هذه الغارات بالقرصنة، فقد كانت بالنسبة للقواسم جزءًا من "حياة الجهاد" في سبيل قضيةٍ أعظم (العقاد، ص. ٧٧).

ادعت بريطانيا أنها تعمل على جعل طرق التجارة البحرية في الخليج أكثر أمنًا للجميع. ولكن من وجهة نظرٍ عربية، لم تكن بريطانيا سوى قوة إمبريالية أخرى تسعى إلى أن تكون لها اليد العليا في الخليج، حالها حال البرتغال وفرنسا وهولندا من قبلها. علاوةً على ذلك، كانت بريطانيا على تحالفٍ مسبق مع مسقط، وهي أحد أبرز خصوم القواسم إحدى الأسر الحاكمة في الإمارات العربية المتحدة؛ يُستخدم أيضًا للإشارة إلى ائتلافٍ من البحّارة العرب قادته قبيلة القاسمي من رأس الخيمة. والمناهضين لانتشار الوهابية أحد أتباع الحركة الإصلاحية الإسلامية المسماة بالوهابية؛ يُستخدم أيضًا للإشارة إلى الرعايا والأراضي الخاضعة لحكم أسرة آل سعود. . وبالفعل، انطلقت حملة سنة ١٨١٩ بالتعاون مع إمام مسقط، السيد سعيد بن سلطان آل بوسعيد، واستمرت بريطانيا في تقديم الدعم له. وفي نوفمبر ١٨٢٠، أرسلت بريطانيا ومسقط قوةً مشتركةً ضد بني بو علي، وهي قبيلةٌ في جنوب عمان اتُهمت بالقرصنة. لكن المصدر الأكبر لقلق الإمام كان أن قبيلة بني بو علي اعتنقت الوهابية أحد أتباع الحركة الإصلاحية الإسلامية المسماة بالوهابية؛ يُستخدم أيضًا للإشارة إلى الرعايا والأراضي الخاضعة لحكم أسرة آل سعود. وثارت على حكمه. هُزمت القبيلة في نهاية المطاف، بعد حملةٍ مطولةٍ ومكلفة، إلا أن الأمر ألقى بظلاله على مزاعم بريطانيا بأنها تعمل على قمع القرصنة في الخليج فقط ولا تتدخل في النزاعات المحلية.

هل ضاعت دلالات المصطلح في الترجمة؟

لم تواجه بريطانيا صعوباتٍ في تعريف حدود حملتها ضد القرصنة فحسب، بل وجدت أيضًا أنه من الصعب إيصال نواياها للحكام العرب المحليين.

تعد الكلمة العربية "قرصنة" كلمةً حديثةً نسبيًا، وتشير النسخ العربية للمعاهدات البريطانية مع الحكام العرب في الخليج على مدى القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين إلى أنه لم يكن لدى سكان المنطقة مفهومٌ محددٌ للقرصنة بمعزلٍ عن المعارك البحرية أو العدوان البري. ففي النص العربي لمعاهدة ١٨٢٠، وكذلك في معاهدة أوليّة مماثلة مع شيوخ البحرين في نفس السنة، تُستخدم كلمة "غارات" بانتظام في مقابل كلمة "بايرسي" في النص الإنجليزي. وفي معاهدةٍ مع حاكم البحرين، محمد بن خليفة، سنة ١٨٦١، يُعبّر عن القرصنة بـ "البطش". في حين تستخدم معاهدة ١٩١٦ مع حاكم قطر، عبد الله بن جاسم آل ثاني، عبارة "السرقة في البحر".

مقتطف بالإنجليزية من المعاهدة الأولية بين بريطانيا وشيوخ البحرين، ١٨٢٠. IOR/L/PS/10/606، ص. ١٨٣و
مقتطف بالإنجليزية من المعاهدة الأولية بين بريطانيا وشيوخ البحرين، ١٨٢٠. IOR/L/PS/10/606، ص. ١٨٣و
مقتطف للفقرة ذاتها من النسخة العربية. IOR/L/PS/10/606، ص. ٢٠٠ظ
مقتطف للفقرة ذاتها من النسخة العربية. IOR/L/PS/10/606، ص. ٢٠٠ظ

إن هذه التباينات جعلت الاتفاقيات عرضةً للتفسير الخاطئ، وسرعان ما أدرك البريطانيون ذلك. ففي سنة ١٨٤٢، أثار الملازم هنري د. روبرتسون، المقيم البريطاني المنفذ في الخليج العربي، هذه المسألة فيما يخص معاهدة وقعها النقيب صمويل هينيل مع عددٍ من حكام الخليج الأدنى سنة ١٨٣٩ لتجريم تجارة الرقيق كجنايةٍ مرادفةٍ للقرصنة. تستخدم النسخة العربية لتلك المعاهدة كلمتيّ "النهب" و"الغارات" للتعبير عن "القرصنة". جادل روبرتسون أن هاتين الكلمتين تساويان ما بين القرصنة (وبالتالي تجارة الرقيق) والمفهوم الشائع للسرقة، وتلا ذلك مباحثاتٌ حول هذا التفسير. في النهاية، قرر البريطانيون "عدم إرباك الترتيبات القائمة" (IOR/F/4/2014/89998، ص. ٢٠٩و) في هذه المناسبة، ولكن يبدو أن هذا النقاش لفت انتباههم إلى الطبيعة المراوغة لمفهوم القرصنة باللغة العربية.

مقتطف يظهر ثلاثة ترجمات مختلفة باللغة الإنجليزية لمعاهدة من سنة ١٨٣٩، تُظهر الالتباس حول ما إذا كان مضمون النص الأصلي العربي يترادف مع المصطلح الإنجليزي "بايرسي" (قرصنة). IOR/F/4/2014/89998، ص. ٢٠٦ظ
مقتطف يظهر ثلاثة ترجمات مختلفة باللغة الإنجليزية لمعاهدة من سنة ١٨٣٩، تُظهر الالتباس حول ما إذا كان مضمون النص الأصلي العربي يترادف مع المصطلح الإنجليزي "بايرسي" (قرصنة). IOR/F/4/2014/89998، ص. ٢٠٦ظ

إسقاط المصطلح

في سنة ١٨٥٣ أُبرمت هدنة بحرية دائمة بين نفس الأطراف الموقعة على معاهدة ١٨٢٠، متفقين هذه المرة على تجنب جميع الأعمال العدائية في البحر، دون التمييز السابق بين مفهوم "القرصنة" و"الحرب المعروف". تخلت هذه الهدنة عن المصطلح بالكامل في نسختها الإنجليزية، وبدلًا منه، عبّرت عن المفهوم بشكلٍ أعم باستخدام عباراتٍ مثل "الأعمال العدائية في البحر" (التي تُرجمت إلى "الحرب والجدال في البحر") و"العدوان في البحر" (تُرجمت إلى "التعدي والتعرض في البحر").

استمر مصطلح "بايرسي" في الظهور في النسخ الإنجليزية للمعاهدات مع الحكام في الخليج حتى القرن العشرين، إلا أن حظر القرصنة لم يعد يشكل أساس هذه المعاهدات كما كان الأمر في معاهدة ١٨٢٠. بل رسّخت هذه المعاهدات التالية موقع بريطانيا كقوةٍ مهيمنةٍ في الخليج، وقيامها بدور "الحامي" لهؤلاء الحكام من الآن فصاعدًا. وأصبحت أراضي تلك القبائل التي أخضعتها بريطانيا تُعرف بـ" الساحل المتصالح مسمى استخدمه البريطانييون من القرن التاسع عشر حتى ١٩٧١ للإشارة لما يُعرف اليوم بالإمارات العربية المتحدة. " بعد أن كانت تشير إليها بريطانيا بـ "ساحل القراصنة".

إرث "القرصنة"

على الرغم من انحسار مصطلح "القرصنة" في المعاهدات، إلا أنه ظل حاضرًا في الخطاب البريطاني حول المنطقة. ففي سنة ١٩٠٣، زار اللورد كرزون (نائب الملك في الهند آنذاك) الشارقة، حيث خاطب حكام الساحل المتصالح مسمى استخدمه البريطانييون من القرن التاسع عشر حتى ١٩٧١ للإشارة لما يُعرف اليوم بالإمارات العربية المتحدة. مقدمًا نبذةً تاريخيةً عن التدخل البريطاني في الخليج.

مقتطف باللغة الإنجليزية من خطاب اللورد كرزون إلى حكام الساحل المتصالح، ٢١ نوفمبر١٩٠٣. IOR/L/PS/10/606، صص. ١٢٩و-١٢٩ظ
مقتطف باللغة الإنجليزية من خطاب اللورد كرزون إلى حكام الساحل المتصالح، ٢١ نوفمبر١٩٠٣. IOR/L/PS/10/606، صص. ١٢٩و-١٢٩ظ
المقتطف ذاته باللغة العربية. IOR/L/PS/10/606، ص. ١٤٨ظ
المقتطف ذاته باللغة العربية. IOR/L/PS/10/606، ص. ١٤٨ظ

ظلت فكرة القرصنة محوريةً في تبرير التدخل البريطاني في الخليج. حيث يصرّح كرزون في خطابه، "نحن وجدنا فيها النزاع فجعلنا النظام"، مصرًا على ضرورة استمرار الوجود البريطاني، إذ "لابد الآن أيضًا أن يُحفظ أمن هذا البحر" (IOR/L/PS/10/606، ص.١٤٧و).

وفي حين أنه من غير الواضح إذا كان لدى جميع الموقعين على معاهدة ١٨٢٠ نفس التفسير لمفهوم القرصنة، ما لا شك فيه هو أنها استمرت في تقديم تبريرٍ هام للوجود البريطاني في الخليج إلى أن غادروا المنطقة عام ١٩٧١. فعلى الرغم من الصعوبة التي تكتنف تعريفها وتحديدها، أثبتت فكرة القرصنة في الخليج أنها مُقنعة. وكما تبيّن الكتب من شاكلة الكتابين المصوّرين أدناه، كلاهما نُشر سنة ١٩٦٦، ظلت هذه الرواية حول مصالحة "القراصنة" في الخليج تلاقي إقبالًا لدى الجماهير البريطانية.

الوجه الأمامي لغلافي كتابين من كتب التاريخ الرائجة عن "القرصنة" في الخليج
الوجه الأمامي لغلافي كتابين من كتب التاريخ الرائجة عن "القرصنة" في الخليج