ما من مكانٍ يضاهيه: استئجار عُمان لميناء بندر عباس، الجزء الأول – ١٧٩٤-١٨٤٨

اقتبس هذه المقالة

عرض عام

اتسم استئجار عُمان لأحد الموانئ الرئيسية في بلاد فارس بغموضٍ في أصوله وباضطرابٍ عام ونزاعٍ متكرر في العلاقات – ما شكّل فرصةً سانحةً للسلطات البريطانية. هذه هي المقالة الأولى في سلسلةٍ من مقالتَين.

الجزء الثاني قيد التحضير.

بداية ضبابية

بموجب اتفاقية إيجار وُقعت في الأصل في عام ١٧٩٤، تولّى سلطان مسقط وعُمان إدارة ميناء بندر عباس الذي يقع على الساحل الجنوبي لبلاد فارس [إيران] لمدة خمسٍ وسبعين سنة. وقد كان ميناء بندر عباس هو الميناء الرئيسي في بلاد فارس طوال القرن السابع عشر ومطلع القرن الثامن عشر. ولكن ابتداءً من أربعينيات القرن الثامن عشر، بدأ ميناء بوشهر يكتسب تلك المكانة، بينما أخذ وضع ميناء بندر عباس يتدهور بشكلٍ سريع. علاوةً على ذلك، كانت الاتفاقية مسبوقةً بحربٍ أهلية دامت فترةً طويلة في بلاد فارس وبالإطاحة بالشاه لطف علي خان زند. وخلال تلك الفترة، شهدت المنطقة غزوات واحتلالات متعددة، بما في ذلك تلك التي شنّها السلطان نفسه، سلطان بن أحمد آل بوسعيد (الذي يُشار إليه كثيرًا في سجلات مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. بـ"إمام مسقط"). وبالنسبة إلى الشاه الجديد، آغا محمد خان قاجار، ربما شكّل تسليم المنطقة المتنازع عليها إلى قوةٍ خارجية ذات نفوذ خطوةً استراتيجية. وبالمثل، عادت الاتفاقية على السلطان بمزايا استراتيجية، إلى جانب المنافع التجارية.

نسخة من لوحة لبندر عباس رُسمت في عام ١٧٠٤، وتبيّن الوكالتَين الإنجليزية والهولندية اللتين نُقلتا إلى بوشهر في عام ١٧٦٢. أُعيد إنتاج اللوحة ضمن كتاب "رحلات كورنليوس دي بروين" بين صص. ٣٢٢-٣٢٣. رُقمنت الصورة ضمن مشروع شراكة المكتبة البريطانية ومؤسسة قطر
نسخة من لوحة لبندر عباس رُسمت في عام ١٧٠٤، وتبيّن الوكالتَين الإنجليزية والهولندية اللتين نُقلتا إلى بوشهر في عام ١٧٦٢. أُعيد إنتاج اللوحة ضمن كتاب "رحلات كورنليوس دي بروين" بين صص. ٣٢٢-٣٢٣. رُقمنت الصورة ضمن مشروع شراكة المكتبة البريطانية ومؤسسة قطر

واجهت اتفاقية الإيجار العُماني تحديها الأول عقب وفاة سلطان بن أحمد في عام ١٨٠٤. حيث استغل الملا حسين آل معين، حاكم قشم، الصراع الدائر على السلطة في مسقط واستولى على بندر عباس. وبمجرد تسوية الوضع في مسقط، أبحر الوصي الجديد على الحكم، بدر بن سيف آل بوسعيد، لاستعادة الميناء. وفي رسالةٍ بتاريخ ١٨٠٥، يروي ديفيد سيتون، المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ البريطاني في مسقط، عن وصول بدر بن سيف في مساء ٥ يونيو، قائلًا إنه بحلول الصباح التالي، "كان قد دفع الحاميات إلى خلف الأسوار" (IOR/F/4/190/4155، ص. ٤٧و). تلا ذلك حصارٌ دام عدة أشهر قبل أن يُجبَر الملا حسين على الاستسلام بفضل الدعم الذي "مُنح للسيد بدر من بحرية الشركة المحترمة" (IOR/F/4/190/4155، ص. ١٠و). إلا أن هذه المساعدة البريطانية لم تكن بلا حساباتٍ خاصة. فبعد ذلك، سمح بدر بن سيف لشركة الهند الشرقية بإقامة وكالة إما (١) مركز تجاري تابع لشركة الهند الشرقية؛ أو (٢) مكتب تابع لشركة الهند الشرقية ولاحقًا للراج البريطاني. في البلدة، وشكّل ذلك الوجود الرسمي الأول لها هناك منذ عام ١٧٦٢. وربما يشير تجدد الاهتمام البريطاني ببندر عباس إلى أنها كانت قد بدأت في الانتعاش بالفعل خلال العقد الذي قضته تحت السيطرة العُمانية، حيث يعلّق سيتون قائلًا إنه "ما من مكانٍ في الخليج يضاهيه من حيث يُسر التجارة" (IOR/F/4/190/4155، ص. ٤٢ظ).

شروط متنازع عليها

ظهر التحدي التالي أمام السيطرة العُمانية في عام ١٨٢٠، وكان مرتبطًا بقشم مرةً أخرى. ففي يناير، فرضت الشركة معاهدة العمومية مع الأقوام العرب في خليج فارس على حكام خمس إمارات تقع اليوم ضمن دولة الإمارات العربية المتحدة. وبغية التأكد من احترام شروط المعاهدة، طلبت الشركة من السلطان السيد سعيد بن سلطان آل بوسعيد الإذن بوضع قوات على جزيرة قشم. وافق السلطان بسهولة، لكن حكومة بلاد فارس عارضت الخطوة، منكرةً أن يكون للسلطان الحق في منح إذنٍ كهذا فيما يخص الأراضي الفارسية. حتى أنهم ذهبوا في ديسمبر إلى الادعاء دون أساسٍ من الصحة بأن "مسقط تابعة لبلاد فارس"، كما بيّنوا أنهم ينظرون إلى السلطان على أنه يحكم "لصالح بلاد فارس" مثله مثل أي حاكمٍ إقليمي (IOR/L/PS/5/369، ص. ١٠و). وعلى الرغم من هذا الاعتراض والتقارير التي تشير إلى أن حسين علي ميرزا لقب تشريفي كان يُستخدم للأمراء، ثم للقادة العسكريين، ولاحقًا للوزراء وزعماء القبائل وغيرهم من "النبلاء". فرمانفرما، الأمير الحاكم أمير من العائلة الملكية عمل أيضًا حاكمًا لإقليم إيراني كبير خلال فترة حكم القاجار (١٧٩٤-١٩٢٥). لإقليم فارس، كان يحشد قواته للزحف إلى بندر عباس، احتفظت بريطانيا بوجودٍ عسكري في قشم طوال ما تبقى من فترة الإيجار العُماني.

تعريف الكلمة الفارسية «بندر» في "قاموس فارسي-عربي-إنجليزي" من إعداد جون ريتشاردسون، ١٨٢٩. IOR/R/15/5/397، ص. ١٩٧ظ
تعريف الكلمة الفارسية «بندر» في "قاموس فارسي-عربي-إنجليزي" من إعداد جون ريتشاردسون، ١٨٢٩. IOR/R/15/5/397، ص. ١٩٧ظ

أثارت أحداث عام ١٨٢٠ التساؤلات حول الشروط المحددة لاتفاقية ١٧٩٤، وذلك ليس للمرّة الأخيرة. ففي حين أن الحكومة الفارسية أرادت من السلطان التصرف كحاكمٍ تحت سيادتهم، إلا أن الأخير اعتبر أن الاتفاقية تمنحه السيطرة المطلقة على بندر عباس وعلى الساحل المحيط بها والجُزر المجاورة لها، بما في ذلك قشم وهرمز. ومن جانب المسؤولين البريطانيين في الخليج، فلم يتبيّن أن لديهم أدلة قاطعة من شأنها أن تدعم أو تدحض أيًّا من الموقفين. وعلى الرغم من أن الجاسوس البريطاني جون لويس رينو كان قد أبلغ في عام ١٧٩٧ أن سلطان بن أحمد قد "حصل" على بندر عباس لتصبح "تحت حكومته"، إلا أن الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية البريطاني في البصرة، صمويل مانيستي، كتب في العام نفسه أن سلطان بن أحمد كان قد عرض أن يكون "تابعًا ورافدًا" للشاه (IOR/G/29/23، ص. ٥٩١ظ). وبشكلٍ عام، مالت الشركة إلى دعم موقف السلطان، وإن كان ذلك على الأرجح موقفًا استراتيجيًا أكثر منه موقفًا مبنيًا على الأدلة.

إيجارات غير مدفوعة

استمرّت التوترات، لكنّها لم تتفاقم مجددًا بشكلٍ ملحوظ حتى عام ١٨٤٤، حين هدد حاكم كرمان بالهجوم على بندر عباس بسبب عدم سداد الإيجارات. فأيًّا كان مستوى الاستقلالية الذي يحق للإدارة العُمانية التمتع به، فإن الحقيقة الوحيدة التي لا يظهر عيها أي خلاف هي أن السلطان كان ملزَمًا نحو الحكومة الفارسية بسداد إيجارٍ قيمته نحو ٤,٠٠٠ تومان عشرة آلاف دينار فارسي، أو عملة ذهبية بهذه القيمة. سنويًّا. ومن الواضح أيضًا أن هذه الإيجارات لم تُدفع لعددٍ من السنوات. وفي عام ١٨٢١، كتب السكرتير الرئيسي لحكومة بومباي، فرانسيس واردن، في ما يخص الإيجار أن "[السلطان] رفض دفعه وبلاد فارس لم تتمكن من تحصيله، منذ وفاة الشاه عباس" (IOR/L/PS/5/369، ص. ٣٥ظ) – وإن كان هذا التصريح ينمّ عن درجةٍ من الجهل، حيث أن الشاه عباس المذكور هنا توفي قبل إبرام اتفاقية ١٧٩٤ بأكثر من ١٦٠ سنة. وباعتبار أن الحكومة الفارسية كانت ترى أن السلطان يتصرف خارج صلاحياته ومن دون تأمين الإيرادات المتفق عليها، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا لم تقم الحكومة الفارسية ببساطة بفسخ عقد الإيجار؟ تأتي الإجابة على هذا التساؤل في رسالةٍ مؤرخة في عام ١٨٤٤ من الوزير البريطاني في طهران، جستن شيل، إلى رئيس الوزراء الفارسي، الحاج ميرزا لقب تشريفي كان يُستخدم للأمراء، ثم للقادة العسكريين، ولاحقًا للوزراء وزعماء القبائل وغيرهم من "النبلاء". آقاسي، يحذره فيها من "عدم الحكمة في افتعال مشاحنة مع [السلطان]، الذي كان بإمكانه من موقعه البحري المتفوّق إيذاء ساحل بلاد فارس وتعطيل تجارتها البحرية" (IOR/L/PS/5/432، ص. ٤٧٤و). حيث كان سلطان مسقط يملك قوةً بحرية كبيرة تخوّله التصرفَ كما يحلو له في ما يخص بندر عباس.

على الرغم من هذا التحذير، باتت التهديدات، بل والمحاولات، الفارسية الرامية إلى استعادة بندر عباس أحداثًا متكررة. وفي عام ١٨٤٦، زحف الأمير الحاكم أمير من العائلة الملكية عمل أيضًا حاكمًا لإقليم إيراني كبير خلال فترة حكم القاجار (١٧٩٤-١٩٢٥). لإقليم فارس، حسين خان آجودان باشي، على رأس جيشٍ نحو بندر عباس وبعث رسولًا إلى حاكم السلطان، سيف بن نبهان المعولي، مطالبًا إياه بالتخلي عن البلدة أو دفع مبلغ ٣٠,٠٠٠ تومان عشرة آلاف دينار فارسي، أو عملة ذهبية بهذه القيمة. . رُفض هذا الطلب ودُحرت القوة الفارسية، وأعلن السلطان أنه في حال استمرار مثل هذه الأفعال، "سوف يردّ بتدمير بوشهر" (IOR/L/PS/5/446، ص. ٢٨٢ظ). أدانت الحكومة الفارسية حملة الأمير الحاكم أمير من العائلة الملكية عمل أيضًا حاكمًا لإقليم إيراني كبير خلال فترة حكم القاجار (١٧٩٤-١٩٢٥). وادّعت أنه لم يكن لديها علم مسبق بها، وتوقّع صمويل هينيل، المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ في الخليج العربي، أنه "في ظل الاستياء الذي أعرب عنه البلاط الفارسي، من المُستبعد أن تتكرر" (IOR/L/PS/5/446، ص. ٢٨٠و).

بيان عن الهجوم الفارسي على بندر عباس في عام ١٨٤٦. IOR/F/4/2174/105565، ص. ٤٥٠و
بيان عن الهجوم الفارسي على بندر عباس في عام ١٨٤٦. IOR/F/4/2174/105565، ص. ٤٥٠و

تهديدات متنافسة

بحلول أربعينيات القرن التاسع عشر، كانت موازين القوى قد تغيّرت. حيث كان السيد سعيد بن سلطان قد نقل حكومته من مسقط إلى زنجبار، أي ما يبعد قرابة ألفي وخمسمائة ميل عن بندر عباس، تاركًا لسيف بن نبهان قدرًا أكبر بكثير الاستقلالية مقارنةً بالحكّام العُمانيين السابقين. وكان التعاطف البريطاني مع القضية العُمانية يضمحل أيضًا، ويرجع ذلك إلى حدٍ كبير إلى تهديداتهم المتكررة بتدمير الموانئ الفارسية أو فرض حصارٍ عليها، ما كان ليشكّل كارثةً بالنسبة إلى التجارة البريطانية. وفي عام ١٨٤٧، استمر سيف بن نبهان في التبليغ عن التهديدات والمطالبات بالمال من حسين خان، إلا أن القنصل البريطاني في زنجبار، أتكنز هامرتون، نبذ هذه البلاغات باعتبارها مبالغات. وكان رد السلطان أنه "سوف يردّ بعشرة أضعاف بتدمير كل الموانئ الفارسية الواقعة بين بندر عباس وبوشهر"، مدعيًا دون صحة أنه "قد سبق وتلقى إذن الحكومة البريطانية وموافقتها" (IOR/F/4/2238/112325، ص. ٢٣٩ظ). لم يقتنع المسؤولون البريطانيون بوجود تهديد، حيث ادعى شيل بأن حاكم إقليم فارس لم يكن يتمتع لا بالصلاحيات ولا بالموارد اللازمة لاتخاذ إجراءات عدائية، ووصفوا دافع سيف بن نبهان بأنه "تافه وغير كافٍ" (IOR/L/PS/5/452، ص. ٧٨و).

جزء مفصّل من "خريطة لخليج بلاد فارس" من إنتاج شركة الهند الشرقية، يبيّن بندر عباس والمنطقة المحيطة به، ١٨٣٢. IOR/X/3635/35/1-2، ص. ١و
جزء مفصّل من "خريطة لخليج بلاد فارس" من إنتاج شركة الهند الشرقية، يبيّن بندر عباس والمنطقة المحيطة به، ١٨٣٢. IOR/X/3635/35/1-2، ص. ١و

وفي أكتوبر، كتب سيف بن نبهان أن فضل علي خان قره باغي، حاكم كرمان، وقواته كانوا على مشارف "مقاطعاتي وحتمًا سوف يلحقون بعض الأضرار بها" (IOR/L/PS/5/453، ص. ٤٥٣و). ردَّ ميرزا لقب تشريفي كان يُستخدم للأمراء، ثم للقادة العسكريين، ولاحقًا للوزراء وزعماء القبائل وغيرهم من "النبلاء". آقاسي بأن الحاكم كان يزحف لتعزيز الحدود مع بلوشستان فحسب. ولكن في يناير ١٨٤٨، أبلغ هينيل أن فضل علي خان "ارتكب تجاوزات عظيمة" في المنطقة المجاورة لبندر عباس، مضيفًا أنه يشك في إمكانية شن هجومٍ كهذا "من دون معرفة رئيس الوزراء [الفارسي] أو تواطئه" (IOR/L/PS/5/453، ص. ٣٣٠و-ظ). ومرةً أخرى، دُحرت القوة الفارسية، وعرض فضل علي خان الانسحاب إذا وافق العُمانيون على دفع مبلغ ٢,٥٠٠ تومان عشرة آلاف دينار فارسي، أو عملة ذهبية بهذه القيمة. . وأبلغ هينيل أن سيف بن نبهان "وافق ظاهريًا على السداد […] وبالتالي، انسحب جيش كرمان"، لكنه أضاف، بفطنةٍ أكثر بقليل مقارنةً بعام ١٨٤٦، أن "سداده مشكوكٌ فيه" (IOR/L/PS/5/453، ص. ٣٣٣و-ظ).